ميلاد بغير مسيح في أرض الإرهاب!
جاء »الميلاد« لكن »السيد« لم يظهر. وصل »بابا نويل« من الغرب بديلا من »المسيح« الذي اغتاله ملوك المجوس حتى لا يفسد عليهم حربهم ضد أهله المشردين في عراء الثلج والخوف وافتقاد النصير.
»مسيحية« الألفية الثالثة غربية تماما، غريبة تماما عن »المهد« و»القيامة«. متى كان لرسول السلام ملامح ارييل شارون أو جورج بوش؟!
ذهب بطرس الرسول الى الغرب مبشّرا بدين المحبة وحقوق الإنسان… وها هي »المسيحية المهوّدة« تجيء الى الشرق على متن قاذفة ب 52، تحرسها طائرات إف 16 من أهل »السيد«: تطاردهم واحدا واحدا، في دروب بيت لحم. تغتالهم نساء ورجالا في كل المدن والقرى التي حملت بشارته وآمنت بدعوته فانحازت إليه ضد »القيصر« والفريسين وتجار الهيكل.
مَن هذا »المسيح« المزيّف بشعره الأشقر كأبناء الثلج، المصبوغة عيناه بالأزرق كأنه من مواليد القطب المتجمد الشمالي؟! ومن هذه »الملكة« التي تسوّقها شركات العلاقات العامة والبضائع على أنها تلك الفقيرة التي »انتبذت من أهلها مكانا قصيا« لتضع وليدها البشارة، والتي كان اسمها مريم بنت عمران وكانت سمراء البشرة كأرضها، مباركة مثل شجرة الزيتون، عسلية العينين كانعكاس شمس بلادها على بيسان ومرج بن عامر والمدينة العتيقة؟!
التزوير شامل مطلق… وما تبقى من حقائق التاريخ يجب أن يسحق حتى لا يبقى شاهد من المكان أو الزمان أو الإنسان.
الشرق صحراء يتناثر في أرجائها الفسيحة بعض الهمج المغرورين بأنسابهم الثقيلة. يدّعون أنهم ورثة الأنبياء وأنهم حراس التاريخ. يعيشون في قلب الأساطير التي لا تصمد لدبابات الميركافا ويمكن »لأباشي« واحدة أن تمسحها لتبني مكانها ناطحات سحاب »العهد القديم« الذي ابتلع »العهد الجديد« وتضمّنه فإذا »المسيح« مجرد داعية للتمييز العنصري تحت عنوان »حماية الحضارة« من »الإرهاب الدولي«.
ليس المسلمون وحدهم »أهل الإرهاب«. كل من أنبتته هذه الأرض، ومَلَكها، وعاش فوقها فأغنته وأغناها، إرهابي ومعاد لحضارة الإنسان الأبيض. لا يهم إن كان مسيحيا أو مسلما. كلهم أبناء الزانية كلهم سمر البشرة معتدّون بالماضي، يزعمون أنهم »الأصل«، وان الآخرين أدعياء. كلهم »بن لادن«. كلهم يكرهون »الغرب« ويحقدون على أهله المتقدمين. كلهم أعداء الديموقراطية. هل عرفت بدوياً يؤمن بحرية الرأي؟!
ماذا يهم أن يكون الاسم »جورج حبش« أو »أبو علي أياد«؟ كمال ناصر أو غسان كنفاني؟! وديع حداد أو صلاح خلف؟!
هذه الأرض لا تنبت إلا الإرهابيين. لذلك لا بد من »تبديل« أهلها. لا بد من »زرعها« بالمتحضرين الديموقراطيين كمثل هؤلاء »المستوطنين« الذين تركوا أوطانهم الغنية والعامرة، وجاؤوا بخبراتهم وكفاءاتهم لكي يستكملوا بناء المدنية فوق هذه الأرض القاحلة بعد أن »يحضّروا« أهلها المتوحّشين؟!
من »المسيح«؟! لا وقت للتاريخ. اليوم هو البداية والنهاية. من الأنبياء؟! لا وقت للأساطير. الوقائع تفرض نفسها. من يقرأ الأمكنة والآثار الدارسة في عصر الكومبيوتر والانترنت؟! من يذهب الى الصلاة في عصر »البلوز« والهمبرغر والقنابل الانشطارية؟!
»الميلاد« مناسبة لأكل »ديك الحبش« ومجيء »بابا نويل« بالهدايا، حتى تبيع الأسواق المزيد من بضائعها، وحتى تدخل »باربي« كل بيت بنسخها وملابسها المتعددة.
»الميلاد« عروض مخفّضة للمشروبات والهدايا التي تدر المزيد من الدولارات. كم ثمن »المسيح«؟! أما »محمد« فإن أسامة بن لادن قد استحضره بصورته الإرهابية الكاملة.
»الميلاد« مناسبة ممتازة لإعلان وفاة فلسطين. لا تتسع هذه الأرض التي لا بد أن يظللها العلم الأميركي إلا لدولة واحدة تختصر الماضي والحاضر والمستقبل هي دولة إسرائيل.
هي البداية والولايات المتحدة الأميركية هي الخاتمة.
لا مكان للمسيح. لا مكان للأنبياء. لشارون كل الأمكنة وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة.
أما هذا الدعي الساذج البلا أب، والذي يستحيل أن تصدر له أي دولة جواز سفر فليترك للأف. بي. آي بالتعاون مع الشين بيت أن تتحقق من نسبه… ألم تلاحظ الشبه الشديد بين صورته وبين أسامة بن لادن؟!
جولة سياحية في إنجاز سياسي: المدينة الإعلامية
لولا »شبح« الهرم الأكبر في خلفية المشهد المفتوح على الصحراء البغير حد، لأخذك التشابه الجغرافي الى شيء من »لاس فيغاس«، جنة المقامرين التي استنبتها عقل جهنمي في قلب الأرض اليباب، لعل الحظ يجيء من داخل السراب… أما التشابه في وظيفة هذا الإنجاز المصري من الألف الى الياء، فقد يأخذك الى هوليوود، مدينة السينما الأميركية واستديوهاتها العديدة والهائلة الغنى، بمرافقها الكثيرة التي تخدم السياق الروائي والإثارة المشوقة سواء أكانت »الحكاية« واقعية أم قصة حب رومانسية أم متصلة بالخيال العلمي وخدعه المتنوعة والباهرة.
في أول زيارة لهذا الإنجاز المصري مئة في المئة سعدت بصحبة دليل »سياحي« ممتاز هو »وحش الشاشة الصغيرة« والمحاور الذي كثيرا ما التهم من يستضيفهم بحيويته ومعلوماته وقدرته على »تفتيح« الموضوعات عماد الدين أديب.
كانت ملامح »المشروع« ترتسم فوق صفحة الرمل: المبنى الإداري، حيث كانت بعض أقسامه تضم الاستديوهات الأولى، ومنها الاستديو الذي استأجرته »أوربت«، في حين كانت هياكل المباني الأخرى قد أخذت تبرز فوق سطح الأرض وعودا بإنجاز كبير..
في الزيارة الثانية بصحبة عماد الدين أديب أيضا كانت »المدينة« تغذ السير في طريقها نحو التكامل… وفي الزيارة الثالثة تعرفنا على هياكل مجمع الاستديوهات الضخم، والفندق (خمسة نجوم) وقاعة المحاضرات والندوات، والمرافق المكملة التي تضم استديو للتصوير تحت الماء ومدينة ملاه مصغرة..
أما في الزيارة الأخيرة فقد حظينا بصحبة »الأب الشرعي« لهذا المشروع الكبير: وزير الإعلام صفوت الشريف، الذي يعرف »نسب« كل شجرة وكل زهرة أنبتها الدأب، وكل مبنى، وكل استديو، وكل مرفق، بدءا بمحطة التحكم بالقمر الصناعي وصولا الى البحيرات الاصطناعية وحديقة الديناصورات.
كان صفوت الشريف يحدثنا عن كل مرفق بحنو أب يتحدث عن أبنائه، وقد تخفف من حرج المنصب الوزاري وهو يؤكد نجاحه في حماية هذا الإنجاز من أثقال البيروقراطية وسماجة الروتين الحكومي واللوائح الإدارية: نحاول أن ندير هذا المشروع الضخم بالحيوية التجارية التي يتمتع بها القطاع الخاص. لقد رفعنا عنه »وصاية« البيروقراطية والروتين الحكومي وفتحنا الباب أمام الاستثمارات ومساهمات القطاع الخاص. إن العديد من شركات الإنتاج »تملك« استديوهاتها هنا. كذلك فنحن نسمح »بتأجير« الاستديوهات لشركات الإنتاج.
كان صفوت الشريف يكرز على مسامعنا المعلومات التفصيلية عن كل مرفق كمن يتحدث عن مكان حميم تابعه منذ أن كان فكرة، الى أن صار رسما على الورق، الى أن قام »طودا راسخا« على الأرض، التي كانت صحراء والتي غدت الآن »المدينة الإعلامية«، أهم مركز إنتاج سينمائي وتلفزيوني في الوطن العربي.
حدّثنا عن القمر الصناعي الأول، وعن القمر الصناعي الثاني، والمخاطر والمشاق التي كان لا بد من تحملها للاطمئنان الى المستقبل… وتدفق بأعداد المحطات: التعليمية والجهوية، ثم القنوات المتخصصة التي تشمل القنوات الإخبارية والرياضية والأفلام والموسيقى والدراما إلخ.
جلنا بين »أحياء القاهرة« الشعبية منها والفخمة (غاردن سيتي)، وتوقفنا أمام بيت سعد زغلول، وأمام حديقة المنشية في الاسكندرية التي ترتبط بالذكرى التي شكلت تحولا في تاريخ المنطقة والعالم: قرار جمال عبد الناصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس… ثم دخلنا »جمهورية زفتي« وبعض قرى الريف المصري، بدوار العمدة، ومركز الشرطة، ومحطة القطار، ثم »الغيط« أي الأرض الزراعية.
كان »البيت« قابلا للتحول الى استديو داخلي، بقليل من التعديل.. أما تبديل المناظر فسهل جدا، لأن كل »الأجزاء« قابلة للنقل وإعادة البناء.
كذلك جلنا بين أحياء القاهرة الإسلامية، وفي أرجاء المدينة الفرعونية التي روعي فيها أن تكون نسخة طبق الأصل عن الأقصر ومعابدها برموزها وآسادها التي تعطي وجوهها للشمس.
أما حين وصلنا الى »أضخم مركز مؤتمرات في الشرق« فقد بهرتنا الفخامة والدراسة المتأنية التي تجعل ذلك المبنى الأنيق صالحا لأغراض متعددة، وقابلا للتعديل وفق جهة الاستخدام.
بعد جولة في أرجاء الفندق الفخم (خمسة نجوم) اختتمنا الجولة بالمبنى المركزي للاستديوهات: ست من القاعات الفسيحة المزوّدة بأحدث تقنيات التصوير والإضاءة، والقابلة كل منها للقسمة الى »استديوهات« عدة، بمستويات مختلفة.
كان صفوت الشريف سعيدا كمن يعرض اكتمال استعداداته لفرح ابنه. وكنا في نشوة من تحقق من قدرة هذا »العربي« على الإنجاز.
مع المغيب، توهجت »المدينة الإعلامية« التي تتمدد وتتكامل مرافقها بسرعة قياسية بالأنوار، كانت عجلة الإنتاج تدور الآن لتثمر المزيد من الأعمال الفنية والمحاورات السياسية والبرامج التلفزيونية المختلفة (مسلسلات، أفلام سينمائية، ندوات مفتوحة ومواجهات إلخ)… فضلا عن اللقطات الخارجية للعديد من الأفلام في الاستديوهات الطبيعية العديدة والمتكاملة.
كل ما تقع عليه عيناك هنا جديد، وها هي الصحراء قد اكتست بالأخضر، والشجيرات التي رأيتها قبل عامين نصوبا ترتعش مع النسمات باتت أشجارا تمنح ظلها بسخاء كما تضفي الطراوة على الهواء الصحراوي. الإرادة تستولد الحياة والإبداع من قلب اليباب.
حين خرجنا من »المدينة الإعلامية« عائدين في اتجاه المدينة المكتظة بسكانها وهمومهم الثقيلة، كنا نتمنى طول العمر لهذه الجزيرة التي بنيت بالإرادة… ولم نكن نخشى عليها من الصحراء، بل من الفك المفترس للبيروقراطية المصرية العريقة والتي طالما التهم روتينها المتوحش إنجازات باهرة.
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
لا يشيخ الحب وإن شاخ المحبون. المأساة أن يفرض المحبون شيخوختهم على حبهم، أن يحملوه مسؤولية فشلهم في حياتهم العملية، في علاقاتهم بالآخرين… أو أن يأخذهم التوهم الى محاولة »توزيع« حبهم على الأقربين. القلب يتسع للجميع، وهو عادل يحفظ لكل »محب« حقه. اتركوا لقلوبكم أن تقرر فتريحكم وترتاح.