طلال سلمان

حتى لا ننسى سبب

لم تقتحم الجيوش الاسرائيلية الاراضي اللبنانية في آذار 1978 بسبب نزاع على »الحدود« التي للمناسبة لا تعترف بها حكومات إسرائيل الا اضطرارا وبصورة مؤقتة، وفي انتظار أن تستطيع تجاوزها حربا أو »باتفاق سلمي« يحقق أغراض الحرب استكمالا لهيمنتها على كل ما يطاله سيفها الاميركي من الارض العربية.
كانت ذريعة الاجتياح، آنذاك، فلسطينية، أي في صميم الصراع العربي الاسرائيلي، الذي يشكل لبنان طرفا فيه، بالضرورة وبقوة الامر الواقع وبمعزل عن الرغبة ومدى التعاطف مع شعب فلسطين او الايمان بالتضامن العربي.
كذلك فان القرار 425 الذي »عالج« به مجلس الأمن، وبإلحاح أميركي، هذا الاقتحام الاسرائيلي للأرض اللبنانية، كان يحمل بصمات الرغبة في احتواء بعض جوانب الصراع العربي الاسرائيلي، وبالتحديد: كان يعكس محاولة لاسترضاء الاتحاد السوفياتي والحد من اعتراضه على معاهدة كمب ديفيد التي كان يجري إعدادها تحت الرعاية الاميركية بين مصر السادات وإسرائيل، بهدف إخراج مصر نهائيا من ميدان الصراع… وعلى هذا فقد تعذر »التنفيذ« الكامل للقرار 425، ولم يغضب أصحاب هذا القرار من تلكؤ او امتناع قوات الامم المتحدة عن الانتشار في كامل الارض اللبنانية المحتلة توكيدا وتثبيتا للانسحاب الكامل للقوات الاسرائيلية، التي بدورها تذرعت آنذاك بالوجود الفلسطيني المسلح، هناك، لكي »تعصي« الإرادة الدولية فتبقى في أرضنا.
وحتى بعد الاجتياح الاسرائيلي الشامل للبنان، وصولا الى عاصمته، وبعد إخراج مقاتلي المقاومة الفلسطينية من الاراضي اللبنانية، في العام 1982، أبقت إسرائيل جيشها في المناطق التي ما زالت حتى اليوم محتلة في الجنوب وبعض البقاع الغربي، ودائما بذريعة منع السلاح الفلسطيني من العودة وتجدد العمليات الفدائية ضدها انطلاقا من الارض اللبنانية.
إذن، كان التبرير الاسرائيلي للاحتلال متصلا بأساس الصراع العربي الاسرائيلي، وكذلك كان تبرير القصور في تنفيذ القرار الدولي على الارض اللبنانية والاهم: عدم تنفيذ اسرائيل لهذا القرار الذي »اكتشفته« بعد عشرين عاما، والذي سعت به في مناورة مكشوفة، ايام نتنياهو الى الامم المتحدة لتطلب اليها تنفيذه، ثم ها هي حكومة باراك تسعى به مرة اخرى وان كانت للمناورة الآن مقومات اكثر جدية (ولاسباب اسرائيلية يختلط فيها السياسي بالعسكري) توحي وكأن التنفيذ مطلب ملح وانه على مرمى البصر.
لذا يبدو منطقيا ما قاله الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان، في تصريحه »التوضيحي« لنتائج لقائه وزير خارجية اسرائيل من انه كان يأمل بأن يكون الانسحاب الاسرائيلي، من لبنان جزءا من عملية اوسع تشمل الارض السورية المحتلة، وحتى اذا تعذر مثل هذا الاحتمال فإن الانسحاب يجب ان يتوافق مع »جميع« قرارات الامم المتحدة (الخاصة بالصراع العربي الاسرائيلي).
ذلك هو اساس الموضوع، ومن الخطأ او من الوهم المفجع ان نتعامل مع الانسحاب الاسرائيلي، وكأنه »مسألة محلية«، لبنانيا، او كأنه قرار اسرائيلي مقطوع عن سياق الجهد الاسرائيلي المتواصل والحثيث للهيمنة على المنطقة.
ان النقاش الدائر حول الانسحاب، داخل اسرائيل، مختلف جدا عن هذا الدائر في لبنان… فهناك يتعاملون مع تداعياته المحتملة بوعي واضح لارتباطها بأساس الصراع، وبالتالي فهم يعتبرون سوريا طرفا اساسيا، وكذلك فهم يلمحون الى الانعكاس المباشر لقرارهم هذا على المسيرة التي لن تنتهي لمفاوضاتهم المفتوحة الى الابد مع »السلطة الفلسطينية«.
انهم يقولون بوضوح ما يفيد بأنهم لجأوا الى اعلان »الانسحاب« كسلاح يشهرونه في وجه سوريا، لارباكها وإضعافها وعزلها اضافة الى اشاعة الوهم بأن الانسحاب من »الجحيم اللبناني« سيوفر عليهم المزيد من الضحايا ومن سمعة جيشهم الذي لا يقهر، والذي اثبتت المقاومة الباسلة في لبنان ان تلك اسطورة ليس إلا..
ماذا يعني ان يتوافق الانسحاب الاسرائيلي مع جميع قرارات الامم المتحدة؟!
يعني ان يتوافق مع القرارين 242 و338، واذا شئنا التزيّد لأضفنا القرار 194 الخاص بحق الفلسطيني المقتلع من ارضه في العام 1948 بخيار بين العودة الى ارضه او التعويض.
يعني ان الامم المتحدة ترى، بدورها، ان تلازم المسارين بين مرتكزات الحل، وان الانسحاب من لبنان، حتى لو تم في الموعد الاسرائيلي، وحتى لو جاء ناجزاً وكاملا (وهذا ما لا توحي به التصرفات او التصريحات او البيانات الاسرائيلية، بما في ذلك ما اعلنه ديفيد ليفي اثر لقائه عنان) لن يشكل اقفالا لملف، لا في ما يخص لبنان، ولا حتى في ما يخص اسرائيل.
ان كل العالم لا يرى الانسحاب من خارج ملف الصراع العربي الاسرائيلي الا بعض من اعماهم الغرض او اغلقت الكراهية عيونهم فصار همّهم الإضرار بالسوري اكثر من تأمين النفع للبنان.
اي ان هؤلاء لا يتورعون عن الحاق الاذية بلبنان نفسه بزعم منع الخير عن سوريا، أو بهدف اضعافها حتى لو كان المستفيد اسرائيل.
وما ينفع اسرائيل لا يمكن ان يكون مصدر خير للبنان.
فلنكن وطنيين في مستوى »لبنانية« كوفي عنان، وهو للمناسبة في نظر الاسرائيليين »صديق حكيم«.

Exit mobile version