لعلها لحظة الحقيقة، عربيù..
لعل الذي جرى في إسرائيل يفتح عيون العرب، حكامهم بداية، ثم »الرعايا«، ويلزمهم بالنظر إلى السياسة الإسرائيلية بواقعها وليس بأوهامهم، وإلى التيار الغالب داخل »المجتمع الإسرائيلي« ووجهته الفعلية بعيدù عن التخيلات والتمنيات والميل إلى خرافة »الخلاص بأي ثمن«.
ولعلنا ملزمون بشكر »الناخب الإسرائيلي«، وبالتحديد ذاك الذي أعطى صوته للأعظم تطرفù بين المرشحين »العلمانيين« والأعظم تعصبù وعنصرية بين »المتدينين«،
إن »الديموقراطية الإسرائيلية« على مرارة نتائجها بالنسبة للذين راهنوا على »بطل السلام« شمعون بيريز، ستمد إشعاعها إلى دنيا العرب التي كانت تتخبط في دياجير الالتباس والتناقض اليومي بين الكلام والفعل.
لقد وصل »المحارب« إلى قمة السلطة في إسرائيل وسيفه في يده.
لم يجامل أحدù من »الأصدقاء القدامى«، أصحاب التواقيع المجانية..
ولم يلتزم بأي »عهد« ملتبس كان قد قطعه سلفه المسالم في وادي عربة، السجان في الضفة والقطاع، وقاتل الأطفال في لبنان.
وهكذا فإن انتصار بنيامين نتنياهو يفرض على العرب »أن يكونوا يقظين ومستنفرين، حتى لا يغفلوا ولا يستغفلوا«، كما قال الرئيس السوري حافظ الأسد بعد لقائه الرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة، أمس.
أما الإسرائيليون فعليهم، مرة أخرى، »أن يعلنوا انهم يريدون السلام«، كما قال الرئيس مبارك، لأن كلامهم القديم ذهب مع رئيسهم العجوز الراحل.
وبديهي أن يثير تركيز نتنياهو على »سلام الإسرائيليين في ما بينهم« و»أمنهم« و»حقهم الإلهي في القدس عاصمة أبدية موحدة لدولتهم« قلق أولئك الذين ناموا على حرير الوعود البيريزية الغامضة،
… خصوصù ان رئيس الحكومة الجديد، الاول الآتي بالانتخاب الشعبي المباشر، والمزدهي بكونه يحمل تفويضù لم يعطه الناخب الاسرائيلي لأي من أسلافه، قد أخر »العملية السلمية« فجعلها في النهاية من جدول أولوياته.
لا حاجة لقراءة النوايا، فموجة التطرف في اسرائيل ذات طابع شعبي، ولا تتصل بمزاج هذا او ذاك من القياديين، كما انها تتجاوز الاطار المألوف للمزايدات السياسية بين »رفاق السلاح« المتعاركين على الصدارة.
لكن هذا الزلزال على خطورة التداعيات التي نجمت فعلا، حتى الآن، والتي ستنجم عنه، يظل أعجز من أن يدفع العرب الى تقارب أو تنسيق ولو على قاعدة الحد الادنى.
القمة العربية أبعد من الحلم،
والجامعة العربية أضعف من ان تكون اطارù لأي عمل جدي أساسه، بداهة، الموقف المشترك.
وواضح ان معظم الذين تورطوا مع اسرائيل الرابينية ثم البيريزية لن يستطيعوا، او لعلهم لن يرغبوا في اعادة النظر في »انجازاتهم التاريخية« مع قيام اسرائيل الليكودية المعززة بأقصى التطرف الديني.
واذا كان عرفات نموذجù للذين لا يقدرون فإن الملك حسين نموذج للذين لا يرغبون، اما سائر »المهرولين« العرب فيجسدون التزاوج البائس بين انعدام القدرة وانعدام الرغبة تمسكù بالعجز.. المريح!
ومن جديد تبدو القاهرة، المحرجة والمخذولة، مطالبة ومرشحة لان تلعب دور حاضنة »الموقف المشترك على قاعدة الحد الادنى«.
انها لا تستطيع ان تندفع الى حيث تقف دمشق ومعها بيروت، في خط المواجهة الاول.. (خصوصù بعد اقدام اسرائيل بيريز على تعليق المفاوضات (المجمدة اصلا) فماذا تراه سيفعل اكثر هذا الآتي من باب »الحرب«)؟!
لكن القاهرة القلقة على مصير عرفات ومستقبل الاتفاق الفلسطيني البائس، والمسفّهة في أنقره وهي تحاول التوسط لتخفيف العدائية التركية تجاه سوريا، والاندفاع في التحالف مع اسرائيل بالاتكاء على الأردن، الى نهاية الطريق،
هذه القاهرة التي اراد رابين ان يلغي دورها في مشروع بيريز الخرافي حول »الشرق الاوسط الجديد«، تستطيع بعد أن تجمع معظم مراكز الثقل العربية، ودائمù على قاعدة الحد الأدنى، وحتى لا تسقط قلاع الصمود الأخيرة نتيجة تواطؤ بعض الاشقاء المذعورين مع »بطل التصلب« الاسرائيلي، وعلى قاعدة »أنا الغريق فما خوفي من البلل«،
ولعل القمة المصرية السورية خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، خصوصù اذا تقدمت السعودية لتحتل الضلع الثالث في مثلث الصمود على قاعدة الحد الأدنى المقبول.
والمراهنة أساسù هي على صفاء التطرف الاسرائيلي واستفزازاته اليومية!