من أين يأتي العزاء متى اجتمعت عليك مصائب الأمة ومصائبك الشخصية فأخذتك أمواج الخيبة والفجيعة إلى بحر الحزن البلا قرار؟!
ليس لك، ولنا، إلا الله يا عبد الرحيم مراد ويا أم حسين، ويأكل الناس الطيبين الذين وجدوا في هذا البيت البقاعي الأصيل ما كانوا يطلبونه فلا يجدونه، في جمهورة السياسيين ومنتحلي العمل الاجتماعي أو الثقافي.
ولقد كان بيتاً يبدو وكأنه لا ينبت غير النجاح وغير السمعة الطيبة وغير عمل الخير وغير إشاعة الود والنظافة في المناخ السياسي الموبوء.
وكان يبدو وكأنه بيت محصن ضد الموت واللوعة وأحزان الفراق.
لكن الموت لا يعترف بحصانة لمخلوق، ولا يراعي مشاعر الناس وعواطفهم الصادقة.
وهكذا دهم الموت عبد الرحيم مراد وأسرته في نجله البكر، حسين، الشاب ذي الثلاثة وعشرين ربيعاُ، وفي أرض غريبة.
سبحان الله، هو الحق وقضاؤه الحق.
سبحان الله وحسين المتدفق حيوية وشباباً يصاب فجأة بالداء الخبيث، فينتصر بالإيمان وإرادة الحياة ودعوات الناس الطيبين على المرض، ويكتب له الشفاء، مع نهاية العام.
وسبحان الله وحسين السعيد بأنه قد عاد، مرة أخرى، إلى الحياة، ينطلق في رحلة استجمام من الولايات المتحدة إلى فنزويلا وكولومبيا لزيارة بعض أصدقائه في طريق العودة إلى أهله ومحبيه في لبنان.
وسبحان الله وحسين عبد الرحيم مراد يسقط مع صديق عمره، رياض أبو سمرا، ضحية عصابة من القتلة طاردتهما بقصد الاستيلاء على سيارتهما الجديدة في ما يبدو.
سبحان الله وقد حزم الوالد والوالدة حقائبهما للعودة بعد اطمئنانهما على أن بكرهما قد استعاد عافيته، فيصلهما خبر مصرعه وصديقه قبيل تركهما الولايات المتحدة إلى لبنان.
سبحان الله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وعزاء عبد الرحيم مراد في مئات الأيتام الذين وفر لهم، مع نخبة من أهل الخير، “دار الحنان” تعوضهم دفء البيت والأسرة وتوفر لهم العلم كباب إلى حياة كريمة.
وعزاء عبد الرحيم مراد في أعماله التي تشهد له، والتي جعلته أحد أبرز وجوه العمل الوطني في لبنان، مع رصيد عربي، قل إن توفر لرجل يعمل في الحقل العام.
إنه امتحان لإيمانك الثابت يا أبا حسين.
فالله حق، والموت حق، واللهم لا اعتراض على قضاء الله، وهو قد جعل لكل منية سبباً، وعلمنا أن الموت يأتينا ولو كنا في بروج مشيدة.
وسبحان الحي الذي لا يموت، ولا حول ولا قوة إلا بالله.