طلال سلمان

حرب منتصر جورج بوش بين جيران كوريا وجيران عراق

وقف الرئيس الأميركي جورج بوش مزهواً بانتصاره الانتخابي الباهر، يوم أمس، ليجيب على الأسئلة في مؤتمره الصحافي الأول، بعد تثبيته »بطلاً« للوطنية الأميركية فضلاً عن كونه مالك قرار الحياة والموت بالنسبة للدول والشعوب الأخرى..
لذا فهو لم يرتبك حين سئل: لماذا العراق وحده؟! هناك دول أخرى لديها أسلحة نووية فعلاً، وأخطر بكثير ممّا لديه، ولكنك لم تشر إليها ولم تطلب منها نزع سلاحها وإلا…
أما حين تمّ تحديد كوريا الشمالية وبرنامجها النووي، بالاسم، فقد رد بدبلوماسية لافتة أنه يوالي معالجة هذا الأمر بهدوء، وأنه قد لقي معونة طيبة من جيران كوريا الشمالية وأبرزهم اليابان وكوريا الجنوبية فضلاً عن القيادة الصينية.
.. وعلى امتداد المؤتمر الصحافي ظل جورج بوش ملتزماً موقفه »العقائدي« الثابت بضرورة تدمير العراق مضفياً عليه صفات »العدو القومي« للولايات المتحدة الأميركية ومن ثم عدو العالم بقاراته الست جميعاً.
ومع أنه تلطف بالإشارة إلى أنه لا يريد »أن يضع الكلمات في أفواه القادة الآخرين«، لا سيما منهم الرئيسان الفرنسي جاك شيراك والروسي فلاديمير بوتين، إلا أنه أكد جازماً أن مجلس الأمن سيقر اليوم (الجمعة) المشروع الأميركي (ملطفاً بالتعديلات الفرنسية أساساً) لشرعنة الحرب الأميركية على العراق بختم المنظمة الأممية.
إذاً، هناك معياران ومكيالان في التعامل حتى مع »محور الشر«،
مع كوريا الشمالية تتم الاستعانة »بالجيران« لشراء »أسلحة الدمار الشامل« بالمعونات الاقتصادية، أو لحصرها داخل هذه القلعة الشيوعية المتهاوية، بضغط العوز والحاجة إلى اللحاق بركب .. السابقين إلى التقدم!
أما مع العراق فلا حاجة إلى الوقوف على خاطر »الجيران« أو إلى »مساعدتهم« فضلاً عن »استئذانهم«، مع الوعي بأن أكثريتهم هنا »أشقاء« تربطهم بالعراقيين صلات الدم والقربى والمصالح ووحدة المصير، بينما الأمر مختلف جداً مع كوريا، إذ تبدأ المشكلة مع الأخوة الأعداء في الشمال، وتمتد إلى اليابان، وتاريخ علاقاتها مع الكوريتين مصبوغ بالدم.
.. وأما مع »جيران« العراق فلا لغة إلا الحديد والنار:
وعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي اليمن تنفذ الطائرات الأميركية البلا طيار عمليات اغتيال لمواطنين يمنيين، جهاراً نهاراً، وبموافقة (لاحقة؟!) من السلطات في صنعاء، فلا يعترض الحاكم اليمني بل يصدر ما يشبه حيثيات تبرر إعدام أولئك »الإرهابيين« الهاربين من وجه العدالة؟!
في الكويت يطلب إلى السلطات أن تجمع السلاح من مواطنيها، وهي كانت قد تساهلت في أمر اقتنائه بعد تجربة الغزو المرة، خصوصاً أن تلك التجربة خلفت »عصابات« ومستثمرين للقلق الوطني لمصلحة الأغراض الشخصية.. ولو بالسلاح!
قبل ذلك كانت الإدارة الأميركية قد فرضت على السعودية مجموعة من الإجراءات ذات الطابع البوليسي المستفز، كما أجبرتها على تعديلات في برامج التعليم بل وفي هيكلية إداراتها الأساسية… وهي لم تتورع عن التشهير بالأسرة السعودية الحاكمة لابتزازها سياسياً ومالياً، وما زالت تضغط عليها حتى تكف عن »البهورة« بأنها »لن تسمح« للطائرات الأميركية باستخدام قواعدها الكثيرة والكبيرة فوق أرض المملكة الواسعة الأرجاء.
أما عن البحرين وقطر وعُمان فحدّث عن »مراعاة الخاطر« ولا حرج، إذ ان صاحب الخاطر قد نسيه!
وقبل يومين كان على الإدارة الأميركية أن تقدم اعتذاراً علنياً لسوريا عن اختراق الطائرات الحربية الأميركية المجال الجوي السوري..
أما الأردن فيخرق مجاله بالموافقة، ولا حاجة الى الاعتذار.
وأما مصر فلا تسأل رأيها، وإن تبرعت به تمّ تجاهله..
في ما عدا هذا الاعتذار لسوريا الذي فرضته موجبات الاستعدادات الحربية، فإن الإدارة الأميركية لم تظهر أي احترام »لجيران« العراق العرب، على وجه التحديد، وبالاستطراد الأتراك والإيرانيين الذين يقولون كلاماً حمال أوجه وغير نهائي…
على هذا فلسوف يكون اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية بعد غد (الأحد) في القاهرة غير ذي موضوع، اللهم إلا إذا كان القصد منه »البصم« على القرار الدولي (الأميركي المضمون) الذي يمكنهم الادعاء الآن بأنهم قد حاولوا فتعذّر عليهم منع صدوره، وإن كانوا قد أفادوا من مواقف »الأصدقاء« لتلطيفه..
.. ويبقى أمل أخير في تعطيل قرار الحرب أو إرجائها: هو انفجار الحكومة الإسرائيلية (السابقة) والذي ستلحق به انفجارات أقوى وأعظم إيذاء في قلب الحكومة الشارونية الجديدة بعدما بات نتنياهو شريكاً مصلحته في إفلاس هذه »الشركة« المشغولة بحربها »العربية« الأخرى ضد شعب فلسطين!
وهي حرب قد نسيها العرب تماماً، في غمرة انهماكهم بحماية أنفسهم من نيران الحرب ضد العراق التي لم يستطيعوا منعها، ولن يستطيعوا حتى »الإفادة« منها، ولو بثمن هزيل كمؤتمر مدريد، بحيث يمكنهم القول: لقد عوّضنا في فلسطين ما ضاع منا في العراق..
وجّهوا الدعوات الصالحة إذاً إلى منقذي العرب نتنياهو وشارون!

Exit mobile version