طلال سلمان

حرب اسرائيلية و”الحروب لبنانية”

لا يستطيع الحكم في لبنان، ولا يجوز له، أن يتذرّع »بحروبه« الخاصة، وكلها لا تستند إلى مبرّرات جدية، لكي ينسحب من ميدان الحرب الفعلية، التي عادت إسرائيل إلى ميدانها في ظل تغطية أميركية متجددة، مستعيدة لغة مستهلكة كانت قد سحبت من التداول، أقله منذ مؤتمر مدريد.
في »الوقت الضائع« كان يمكن التساهل أو التغاضي عن »الحروب العبثية« مع مَن يفترض أنهم »رفاق صف واحد« والتي غالبù ما فرضها قُصر النظر أو ضيق الصدر أو تعاظم الأحلام الانتخابية أو تفاقم مرض العصبويات الفئوية، أو تداخل الأغراض والأمراض الاقتصادية والسياسية مع المصالح الفردية الداخلية والخارجية الشاملة.
أما مع التطورات الدرامية التي طرأت على الوضع الإسرائيلي أساسù، ثم عكست نفسها على الادارة الأميركية وموقفها من قوى الاعتراض على »السلام المفروض« والتي تشكل سوريا قاعدتها الصلبة، ودائمù انطلاقù من حقها في أرضها، فقد بات ضروريù إعادة النظر في الكثير من السياسات والتكتيكات اليومية التي كان يتلهى بها الحكم في لبنان مرتاحù إلى أن »غيره« هو من يتصدى ويصارع ويواجه، فلا يتبقى عليه غير انتظار موسم الحصاد.
وإذا كانت إسرائيل قد تأخرت في إعلان الحرب الشاملة ضد »حماس« في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى الأمس، وإثر العملية الفدائية الجديدة في القدس، فإن الولايات المتحدة قد سبقت في إشاعة مناخ الحرب ضد سوريا.
وليس سرù أن وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر قد وصل دمشق في آخر زيارة لها، ليشتري مزيدù من الوقت الانتخابي لشمعون بيريز، في حين كانت إدارته تجدّد الإعلان عن إدراج سوريا، مرة أخرى، على قائمة الدول الداعمة للإرهاب،
ومن قبل أن تعلن إسرائيل حربها الجديدة، كانت الادارة الأميركية تبعث إلى دمشق برسالة أخرى غير ودية، عبر التقرير المتهالك والمفتعل حول دور سوريا في »حرب المخدرات«.
عود على بدء؟!
هل تنفع الحرب في استنقاذ شيمون بيريز وحزبه؟!
وماذا يفيد »السلام الموعود« بيريز الذاهب إلى حرب كان يتباهى سلفه إسحق رابين بأنه تمكّن من الخروج منها مظفرù بشهادة صور التواقيع التاريخية في البيت الأبيض؟!
بل ماذا يفيد »السلام الموعود« بيريز المتردد، الذي يتعهد ثم يسحب تعهده، والذي يفرض على العرب أن يعطوه دماءهم لانتخاباته ثم لا يتكرّم عليهم بإعادة أرضهم المحتلة ليسهل من ثم الحديث عن »المصالحة التاريخية« التي يرشح نفسه لدور البطولة فيها، ومن موقع الحالِم أكثر منه »الحاكِم« وصاحب القرار؟!
في أي حال، وفي ما يعنينا في لبنان، فلا يجوز أن يبدو الحكم وسائر القوى السياسية والاجتماعية منهمكة في »حروب« معظمها مفتعل وكلها غير مبرر.
لقد بدا من خلال مشهد 29 شباط وكأن كل أهل »الصيغة« مشتبكون في حروب لا تبقي ولا تذر: رئيس الجمهورية يخوض من بعبدا معركة الأمن القومي، والمجلس النيابي يحاول متأخرù أن يربح معركة الوساطة بين الحكومة والعمال، ورئيس الحكومة يخوض »حرب حماية النظام« من »الانقلابيين« الذين يقودهم الفيلد مارشال الياس أبو رزق، ورئيس الاتحاد العمالي يخوض حرب كل المعارضات وكل المعارضين ضد »حكومته« و»جمهوريته«،
وإذا كان الجيش قد نجح في فك الاشتباك، يوم الخميس الماضي، فلقد أعلن الأطراف جميعù، ومع الاعلان عن رفع التجول، أنهم في طريق العودة إلى ميدان المواجهة لاستكمال حروبهم المجيدة!
يجب أن يوقف أهل النظام حروبهم العبثية والمكلفة،
لا مجال بعد لترف الحروب بين »رفاق السلاح« المتقاسمين غنائم النظام والمقتتلين على ما لا مصلحة فيه لا للبنانيين ولا للبنان الدولة، ولا خاصة للبنان المفروضة عليه مواجهة التحدي الإسرائيلي الذي يلبس الآن لبوس الحرب.. الشاملة، خصوصù إذا ما تذكّرنا التهديدات الأميركية العلنية لدمشق والضغوط المكشوفة على موقفها الصلب الذي يحمي حق لبنان في أرضه المحتلة.
وآن أن ينتهي هذا الجدل البيزنطي العقيم الدائر في لبنان حول الأزمة المعيشية بشعارات سياسية مدوية والرد عليها بتدابير وبلغة عسكرية غير مبررة.
إن الوضع أخطر من أن يترك للهواة، والوقت أثمن من أن يضيع في المكايدة والنكايات وامتحان أي الرؤوس هو الأشد صلابة وأيها »المرشح« أو الذي لا بد من »كسره« لكي يسلم البلد…
لا بد من توسيع دائرة الرؤية، ومن فتح الخريطة بما يتجاوز الأحلام الانتخابية والمزايدات العصبوية وأحلام الزعامة الفردية والخروج من قمقم الصراع العبثي بين الحكومة و»معارضيها« المنضوين والمتلطين تحت لواء الاتحاد العمالي العام،
أين المسؤولية من المسؤول؟!
وأين التصرف بمسؤولية حيال ما يواجه المنطقة، وسوريا ومعها لبنان، على وجه التحديد؟!
ليس معقولاً أن يظل لبنان معطلاً ومشلولاً وقوة تعطيل أو إرباك لغيره بينما الكل يتهيأ لحرب يحتل فيها العرب كالعادة موقع »المعتدي« بينما جراحهم نازفة وأراضيهم محتلة وبلادهم مشلولة بالعملية السلمية المتعثرة والقاصرة عن تحقيق الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة.
والحكم في لبنان هو المطالب بأن يتنبّه إلى خطورة الموقف وبأن ينهي تلك المعارك الجانبية التي تشغله وتربكه وتشوه سمعته داخليا، بأي ثمن، للتفرغ للمهام الخطيرة التي تفرضها المواجهة الجديدة بكل تداعياتها واحتمالاتها القاسية.
فليأتِ الحكم بالاتحاد العمالي العام إلى طاولة مجلس الوزراء، وليأتِ أيضù بالهيئات الاقتصادية، وليتصرف بالمسؤولية الوطنية فارضù عليهم جميعù التصرف بمنطقها، تمهيدù للوصول إلى »عقد اجتماعي« جديد يرسم طريق الحل ويوفر وسائل علاج فعالة وإن طويلة الأمد للضائقة الاقتصادية ونتائجها الاجتماعية التي يسهل استغلالها سياسيù.
انتهى الوقت الضائع. انتهى زمن الترف.
وكثير من الخلافات المحتدمة الآن ليست أكثر من ترف »حكومي« أو ترف »عمالي« أو ترف »المعارضات« المتعددة في الداخل وفي الخارج.
مَن يوقف هذا الهدر في الوقت وفي الإمكانات وفي سمعة الحكم؟!
مَن يذهب لكي يحارب حيث تجب الحرب، بدلاً من التلهي بلعبة الحرب ضد الذات هنا؟

Exit mobile version