طلال سلمان

حرب اميركية اسرائيلية على عراق وفلسطين كل يسال ما عمل ولا يعملون

في تقدير قائد عربي مسؤول لا تنقصه الحماسة أن العرب يواجهون، اليوم، مأزقاً فريداً في بابه:
»فلم يحدث أن حكم دولة عظمى كالولايات المتحدة »مهووس بالقوة« إلى حد الاستخفاف بقرار الحرب. رجل مثل جورج و. بوش، لا سيما وقد تملكّه الشعور بأنه »سيد الكون« وأن لا أحد يقدر على معاندته أو معارضته أو ادعاء الحياد إزاء ما يطلبه.
»ولم يحدث، بل ولم يكن ممكناً أن يصل التحالف الأميركي مع إسرائيل وهي بقيادة سفاح مجرم مثل أرييل شارون إلى الحد الذي بلغته الإدارة الأميركية، حالياً، والذي أسقط »ثوابت« في السياسة الأميركية تجاه فلسطين والعرب عموماً، وكذلك الرأي العام العالمي، متخذاً من تفجيرات 11 أيلول ذريعة مناسبة للتوحد في إعلان الحرب على العرب (ممثلين بفلسطين بداية، ومن ثم بالعراق، مروراً بمنابت أبطال التفجيرات مما يطال المسلمين جميعاً) تحت لافتة »مكافحة الإرهاب«..
»وبالمقابل فإن الرموز السياسية المباشرة للقضايا العربية المحقة والواجب الدفاع عنها تتميّز برداءة محرجة وأحياناً مخجلة في أدائها السياسي، مما يحجب في حالات كثيرة عدالة قضايا شعوبها، أو أن »حضورها« النافر يطغى فيغطي على تلك القضايا وبينها مصائر شعوب وحقوقها الطبيعية الثابتة في أرضها وفي تقرير مصيرها بغير وصاية أجنبية، وبغير إرهابها بالحرب بذريعة قيادتها إلى الديموقراطية والإصلاح المالي وتطهير الإدارة من الفساد..«.
أما بالنسبة لمجمل القادة العرب، فإن السؤال المطروح والمعلق حائراً بغير جواب هو: ما العمل؟! ماذا نستطيع أن نفعل مع هذا الثور الأميركي الهائج، المزهوّ بكونه قد صادر أو بات متحكماً إلى حد كبير بالقرار الدولي، من موقعه كقطب كوني أوحد؟! انه يرفض الاستماع الى حلفائه الكبار، كفرنسا وألمانيا وسائر أوروبا، و»يشتري« موافقة روسيا، بينما يعفي الصين من الإحراج بالامتناع عن طلب موافقتها تاركاً لمصالحها الهائلة معه أن تفرض عليها الصمت وإدارة وجهها إلى الناحية الأخرى، خصوصاً أن حجم مصالحها في العراق، فضلاً عن فلسطين، لا يقارن بتلك التي لها في السوق الأميركية؟!
طبعاً لا جواب موحداً، وإن كانت السمة المشتركة بين الأجوبة جميعاً أن أحداً لا يريد مناطحة الثور الأميركي الهائج… وثمة من يعتقد بإمكان صياغة موقف عربي موحد، على قاعدة ضرورة منع الحرب الأميركية على العراق بأي ثمن، من دون الدخول في مجابهة مباشرة مع الإدارة الأميركية، إذ يسهل عليها تصويره »شريكاً« لصدام حسين وليس نصيراً لشعب العراق، ومهتماً قبل ذلك بحماية رأسه.
ما العمل؟
وأين تتقاطع حسابات الأنظمة الخائفة على نفسها من الانتقام الأميركي الملوّح به علناً، مع تلك الخائفة على نفسها من غضب شعوبها المتزايد عداؤها للأميركيين بعدما تكشف »الوجه الإسرائيلي« لإدارة جورج بوش، والذي لن ينسى له المواطن العربي »زلة لسانه« في تبرير رده على تفجيرات 11 أيلول بأنها »حرب صليبية جديدة«؟!
إن العراق، ومثله فلسطين، يأتي في مرتبة متأخرة في حساب هذه الأنظمة المحاصرة بالخوفين: الخوف الداهم من الغضبة الأميركية، والخوف المرجأ قليلاً ولكن طلائعه واضحة من غضبة الشعب التي لها أسبابها الداخلية العميقة السابقة على 11 أيلول وتداعياتها، والمتصلة أساساً بممارسات هذه الأنظمة التي اتسمت دائما بالقمع والدكتاتورية والتفرد بالقرار، ونهب الثروة الوطنية أو أقله إساءة استخدامها..
ما العمل؟! إذا تمّ إرضاء الثور الأميركي الهائج فتمّ الحصول على »غفرانه« فمن يضمن استكانة »الشعب«، خصوصاً أن التيارات الإسلامية قد أثبتت بالملموس، وقبل صناديق الاقتراع، حضوراً مؤثراً قد يتحول مع التصادم معها إلى خطر جدي يتراوح بين »الفتنة« أو »الحرب الأهلية«، وبين تهاوي النظام الذي »سيدمغ بنصرة الكافرين في حربهم الظالمة على المسلمين«، بغض النظر عن الرأي الأخير في صدام حسين (أو ياسر عرفات).
ما العمل؟! وإدارة جورج بوش المهووسة بالحرب، ومعها ممارسات شارون الدموية، لا تتركان هامشاً للحركة، أو لادعاء القدرة على منع حرب الإبادة في فلسطين أو حرب التدمير الشامل الجاري تحضيرها ضد العراق..
ما العمل؟.. وواشنطن لم تترك هامشاً للحركة لمن كانوا »حلفاء« لها بين سلاطين العرب، ثم أنها حجبت عنهم مكانة »الأصدقاء«، بحيث يستطيعون العمل لحل وسط يحميهم بداية، وإن ظلوا حريصين على حماية المصالح الأميركية، وبينها إسرائيل… كما أنها فرضت عليهم أن يكونوا معها، ولو ضد »اخوتهم«، وبالتالي ضد »شعوبهم«، وهذا فوق الطاقة!.. أما الاعتراض فمكلف، وها هي أعرق أسرة عربية حاكمة في تحالفها الثابت مع الأميركيين تسمع التهديد الأميركي الموجه إليها علناً، وتقرأه مكتوباً، وتلمسه في التصرفات المستفزة بل المهينة التي تلقتها مباشرة في البيت الأبيض كما في مزرعة الرئيس في تكساس.. وكذلك أصاب مثله من الإهانة والتهديدات حلفاء مخلصين آخرين في منتجع كمب ديفيد..
ما العمل؟..
في تقدير مسؤولين عرب لم تعرف عنهم الخفة أو التعجل في الاستنتاج أن بالإمكان التحرك وتعطيل قرار الحرب الظالمة على العراق، من دون مقايضته بترك فلسطين لمصيرها بين يدي السفاح شارون.
كيف، وأين تكون البداية، ومن هي القوى التي يمكن الاعتماد عليها؟
الجواب بسيط: يريد الحكام العرب من العالم أكثر مما يطلبون من أنفسهم. يريدون من فرنسا أن تكمل، ولو وحيدة، المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن، وينسون أنهم يقدرون على دعمها..
… ويريدون من روسيا ألا »تبيعهم« مقابل حفنة من الدولارات، بينما هم يستطيعون بحجم علاقاتهم معها أن »يوازنوا« الغواية الأميركية، لو أنهم تحركوا فتصرفوا… خصوصاً أنهم يملكون فضلاً عن المال القدرة على مخاطبة الشيشان، ولعب دور »المهدئ« و»المقرّب« بينهم وبين موسكو، بحيث لا يظل الخوف الروسي منهم مبرراً للاندفاع أكثر الى طلب العون الأميركي، أو إلى الانتظام في »الحلف غير المقدس ضد شيطان الإرهاب الإسلامي«!
ويؤكد هؤلاء أن »المعركة« داخل مجلس الأمن مهمة جداً في دلالاتها إذ قد تكون آخر جولة في منع التفرد الأميركي بالقرار الدولي، من خلال الإثبات بالدليل العراقي الملموس أن دولاً كبرى مثل روسيا وفرنسا (والصين) ما زالت قادرة على الممانعة، وإذا ما استقطبت أصوات دول عدم الانحياز في المجلس، تغدو أكثرية مؤثرة على القرار
… لكن هذا يستدعي مبادرات نشطة وتحركاً سريعاً، والخروج من دائرة الخوف إلى مواجهة قد تكون مكلفة لكن الامتناع عنها قد يحمل نتائج مدمرة تذهب بالمال ورأس المال!
إن حكام العرب الذين لا يطيقون أن يروا التظاهرات تجتاح عواصمهم لم يتوقفوا طويلاً أمام هذه الهبة الجماهيرية الغاضبة التي اجتاحت شوارع العواصم الكبرى في الغرب، من لندن والثلاثمئة ألف يجهرون برفضهم الحرب على العراق، الى باريس وكبريات مدن ألمانيا وأوستراليا وإيطاليا، وصولاً الى المدن الأميركية الكبرى، وإلى قلب واشنطن مما استدعى من الذاكرة الحملة الشعبية الأميركية ضد الحرب الظالمة على شعب فيتنام..
إن حكام العرب قد أعماهم الخوف على مواقعهم من رؤية المشهد العالمي بمعطياته الواقعية، بعيداً عن هوس الدم المتحكم بالإدارة الأميركية كما بحكومة السفاح شارون في إسرائيل.
ما العمل؟!
يمكن العمل. بالتأكيد يمكن القيام بعمل ما، مؤثر بقدر ما يكون مبنياً على الحسابات الباردة وليس على الرعب الساخن..
وليكن المنطلق أن الحرب الأميركية على العراق أخطر على حكام العرب من مخاطر عملهم لمنعها، بالاستناد الى القوى المعترضة على هذه الحرب في العالم كله وفي الولايات المتحدة الأميركية نفسها.
إن للخوف مصدرين وليس مصدراً واحداً هو غضب الإدارة الأميركية..
وقد يكون الوقت متأخراً عند اجتماع مجلس الجامعة العربية، على مستوى الوزراء، يوم الأحد المقبل في القاهرة، إذ ربما يكون مجلس الأمن قد »حسم« الأمر بقرار أميركي مطعّم بشيء من الاعتراض الفرنسي (والروسي ضمناً، ومعه سوريا وباقي دول عدم الانحياز).
لكن بالإمكان التحرك، والمبادرة أقل كلفة من انتظار »المقدّر«.
وعمرو موسى يحاول، كل يوم، التذكير بأنه نجح من موقعه كأمين عام للجامعة العربية في انتزاع قرار عراقي بعودة المفتشين، كمحاولة ضرورية لتجنب قرار فوري بالحرب الأميركية.
من يدري ربما يقدر مجلس الجامعة مجتمعاً، على الأكثر، ليس فقط في بغداد، بل أيضاً في واشنطن..
ولعل لبنان، بوصفه رئيس القمة، يصلح لدور ما لا يرغب في القيام به غيره أو لا يصلح له غيره من الخائفين…

Exit mobile version