طلال سلمان

حرب اميركية على عرب مسلمين بمنظور يمني

وصلنا إلى صنعاء غداة تلقيها البشرى التي تنتظرها منذ أمد بعيد، بأن الباب قد انفتح أخيراً، ولو موارباً، لقبولها أو لتنسيبها هي البلاد الفقيرة إلى حد الإملاق إلى »نادي الأثرياء« المعروف بمجلس التعاون الخليجي.
لقد اعترف الأخوة المرفهون، أخيراً، بأخيهم الفقير، وسلّموا بالحقائق الجغرافية، فضلاً عن العوامل الاقتصادية، فوافقوا على »ضم« نظام جمهوري إلى النادي الملكي، مما سيقتضي تعديلاً في الاسم بحيث يشمل كامل جزيرة العرب بدل أن يظل قاصراً على خليجها ممّا كان يشكّل إحراجاً في التسمية، فهي »الدول العربية« في مجلس التعاون الخليج المجهَّل النِّسبة حتى لا تغضب إيران، بينما »الجزيرة« خالصة العروبة تماماً!
انتهى زمن الإبعاد والاستبعاد وفيه كانت تُعامَل اليمن »كالبعير الأجرب«، والمهم هو التحول السياسي الذي سمح بفتح الباب لضم هذه الجمهورية التي تزهو بتاريخها كأول مملكة في تاريخ هذه الجزيرة التي معظمها صحراء، والتي منح النفط بعض جهاتها فرصة سبق الأعرق والأوثق علاقة بالحضارة وبفكرة »الدولة«.
هل سقط الحصار، إذاً، وهل تبدل القرار الأميركي؟!
ذلك أن صنعاء التي تحاصرها الطبيعة بسلسلة من الجبال، عاشت طويلاً تحت شعور ثقيل بأن أهلها الأقربين يفرضون عليها حصاراً أقسى، وكان مؤكداً أنه في بعض جوانبه يحمل البصمات الأميركية… وقد عبّر القرار الأميركي عن نفسه علناً في »عهد« ما بعد 11 أيلول إذ شدد حملته على اليمن وكاد يشملها بحربه الكونية ضد ما يسميه »الإرهاب«.
وبرغم زيارة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح واشنطن ولقاءاته الشارحة، الموضحة والمفسرة لبعض الأحداث ذات الصلة بما جرى لنيويورك والعاصمة الأميركية في 11 أيلول، فإن اليمنيين لم يسمعوا بعد ما يطمئنهم.
ربما لهذا تبدو صنعاء هادئة السطح ولكنها مضطربة الأعماق، تواصل حياتها في قلب العاصفة الأميركية التي يرى اليمنيون أنها تستهدفهم بعد، وأن كل ما قدموه وما أظهروه من استعداد للتعاون لم ييسر لهم أمر الحصول على »عفو خاص« فضلاً عن الشهادة ببراءتهم من جريمة التحرش بالقوة الكونية الأعظم!
وصنعاء التي ألفت الحصار والاستبعاد تعيش الشعور بأنها »ضحية« »للإرهاب« نفسه الذي خرج الأميركيون لقتاله بعدما ضربهم في عقر دارهم، بل وأنها ضحيته مرتين: فالعائدون إليها من »الجهاد« في أفغانستان والذين ذهبوا بتشجيع أميركي معلن وبرعاية أميركية مؤكدة، قد آذوا اليمن في أمنها، بعد عودتهم من أداء مهمتهم »المقدسة« في نصرة الإسلام ضد »الإلحاد السوفياتي«، ثم ها هي تحاسَب الآن على مَن تبقى فتسرّب إليها!
عبد القادر باجمال، المخضرم، الحضرمي المتسرب من الحزب الاشتراكي الذي حكم »اليمن الديموقراطية« في عدن ذات يوم، والذي يتولى الآن رئاسة الحكومة لدولة الوحدة حيث الأكثرية النيابية لحزب المؤتمر الذي أنشأه الرئيس علي عبد الله صالح، يهتم بإظهار فرحته بقرب الانضمام إلى نادي الأثرياء بأكثر من اهتمامه بإظهار قلقه من العاصفة الأميركية المحتملة…
لا خطر من »القاعدة« ومناصري أسامة بن لادن على اليمن. إنها جيوب محدودة القدرات ومحصورة في أمكنة معينة، ونحن نعرفهم جميعاً، ولا خطر منهم لا علينا ولا على الآخرين.
يضيف هذا السياسي الحاذق والمتقن »اللعبة«، بلهجة مَن يستبشر بغد الرخاء: ها هو »الطبيعي« يفرض نفسه أخيراً، فيتكامل مجلس التعاون وتستعيد الجزيرة العربية صورتها الأصلية. لقد أنشأنا الآن ثلاث طرق تربط اليمن بأخوانها في الخليج، بينها واحدة عبر الصحراء، وقد أنشأناها وتكبدنا عليها نفقات طائلة وأقمنا لبعضها أنفاقاً مكلفة لتسهيل الترابط في المصالح فضلاً عن رابطة القربى…
أما »رجل الأربعين عاماً« من عمر الجمهورية، الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، القوي بنفسه وبمن يمثل، والذي يرأس المجلس النيابي، والمعروف بدهائه وبقدرته على أداء المهمات الدقيقة، والذي لعب دوراً حاسماً في إعادة صياغة العلاقات اليمنية السعودية، فيظهر استبشاره بانفتاح مجلس التعاون أمام اليمن، لكنه لا يتمالك غضبه وهو يتحدث عن المهانة التي ارتضاها العرب لأنفسهم، وعن خضوعهم الذليل للإرادة الأميركية:
ما هذا التهافت؟! كأن ليس في هذه الدول رجالاً في مواقع المسؤولية. لم يجرؤ أي منهم على أن يقول »لا«! ارتضوا لأنفسهم موقع المتهم، بل موقع المُدان! ألغوا دولهم وشعوبهم وأخذهم الخوف إلى إذلال أمتهم! مَن هؤلاء الذين تطاردهم أميركا الآن؟! إنهم صنائعها! فكيف تحاسبنا عليهم!
يضيف هذا الرجل القوي والذي يشكل مرجعية شعبية وسياسية لها موقع »الزعامة«: لنفرض جدلاً أن بين المطلوبين بعض رعايا هذه أو تلك من الدول العربية. في هذه الحال تتولى الدولة المعنية مطاردتهم ومحاسبتهم بوصفهم »مخربين« لا بوصفهم »إرهابيين«، وتحاكمهم لدواع وطنية وكدول مسؤولة عن رعاياها، وأمام شعبها. أما أن تسلمهم إلى أميركا لتحاسبهم فهذا أخطر من تجاوز للسيادة، إنه إعلان سقوط »الدولة«. ماذا يتبقى من الدولة إذا ما سقطت عنها هالة كونها حامية مواطنيها؟!
يخلص إلى الاستنتاج المنطقي: إنها حرب على الإسلام والمسلمين ونحن منهم. لقد توحدت الجبهتان الأميركية والإسرائيلية ضد العرب والمسلمين! إن أميركا تدعم الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين، وتتجاهل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين نساءً وأطفالاً وشيوخاً كل يوم، بل هي تدعمها وتساعدها وتبرّر لها جرائمها… ثم ها هي تلتفت إلى العرب وكأنها »الوصي« عليهم فتحاسبهم ويخضعون!!
يتنهّد بحرقة وهو يختم كلامه: أليس بينهم رجل هؤلاء الحكام؟!
أما »كاتب اليمن« وشاعرها وأستاذ الأجيال فيها الدكتور عبد العزيز المقالح، فيذهب في استنتاجاته إلى ما هو أبعد بكثير… يقول:
إنها الحرب الرابعة على العرب والمسلمين معهم، والإسلام عموماً، بل إنها الهزيمة الرابعة للعرب والمسلمين أمام الغرب. الهزيمة الأولى كانت سنة 1948، والثانية سنة 1967 والثالثة سنة 1990، وهي قد فككت الأمة ودمرتها، وها هي هزيمتنا الرابعة بعنوان أفغاني، ولكن العرب هم أول المستهدفين فيها بدليل ما حصل لفلسطين ويحصل الآن للفلسطينيين!
يدور النقاش حول علاقة العرب ودول المسلمين، وباكستان في الطليعة منها، وتسمع من يربط بين مناخ الحرب الهندية الباكستانية الجاري تعميمه الآن، وبين الوحدة في المنطق بين الاتهامات التي وجهها رئيس حكومة الهند إلى الباكستانيين والذي كاد يكون تكراراً موحداً لما قاله جورج بوش في أسامة بن لادن وحكومة طالبان من جهة، وما قاله أرييل شارون في عرفات وسلطته وعموم الفلسطينيين من جهة أخرى.
يقول واحد من بين المناقشين: لقد خسر العرب صداقة الهند ولم يربحوا باكستان التي منذ سلحها الغرب أو إقامته دولة فيها بذريعة دينية إنما استخدمت سياسياً كأداة حرب غربية ضد العرب، (ويستذكر الأحلاف التي انتسبت أو نُسبت إليها باكستان في مواجهة حركة النهوض العربية في الخمسينيات والستينيات)…
يستذكر »مجادل« آخر أن بعض المسؤولين الهنود أبلغوا بعض الدول العربية، رسميا، أنهم سمعوا تشجيعاً علنياً من ياسر عرفات على توثيق علاقتهم بإسرائيل أملاً بأن يشجع ذلك »قوة السلام« فيها على اتخاذ موقف معتدل والدخول إلى المفاوضات مع الفلسطينيين، آملين بأن يكسر ذلك حلقة الحصار الذي كانت تضربه دول عدم الانحياز من حول الكيان العنصري.
ينتبه ثالث إلى توقيت زيارة شمعون بيريز إلى الهند في هذا التوقيت بالذات، بينما إسرائيل تواصل حربها ضد الفلسطينيين، والهند تستعد لحربها بتشجيع أميركي؟! ضد الباكستان!!
على أن الجميع يتفقون، في نهاية النقاش، على أن إسرائيل حددت التوقيت المناسب لحكاية باخرة السلاح الإيراني إلى السلطة الفلسطينية بما يجعل الحرب الإسرائيلية جزءاً من الحرب الأميركية على الإرهاب: إسرائيل تحارب أو تكمل الحرب الأميركية، وتضم إيران إلى »القائمة الملعونة« فضلاً عن الفلسطينيين… »فهذا السلاح الآتي لقتل الإسرائيليين يقطع بالدليل الحسي ويؤكد طبيعة النظام الإيراني… وهي إرهابية مائة في المائة«!
تصبح الخلاصة حتمية: إنها حرب كونية على العرب والإسلام والمسلمين، من أميركا التي أعلنتها »صليبية« ضد أفغانستان ومن حالفها أو ساندها، إلى الهند التي تقاتل »إسلام« باكستان ولا تقاتل نظامها، إلى إسرائيل التي تقاتل وتقتل العرب الفلسطينيين وتلحق عبرهم الهزيمة الساحقة بالعرب مجتمعين!
* * *
صنعاء محاصَرة، مثل كل العرب في مختلف عواصمهم…
صنعاء هادئة السطح، لكن داخلها مضطرب كواقع العرب في مختلف أقطارهم.
صنعاء مشغولة بنفسها، كما أي دولة عربية أخرى، ولعل همومها أثقل…
لكن ذلك لم يمنعها من تحويل المؤتمر الاستثنائي ل»كتاب في جريدة« إلى تظاهرة شعبية حاضنة لهذا المشروع الثقافي العربي البسيط.
فالحكمة يمانية، كما يتباهى أهل اليمن السعيد!

Exit mobile version