طلال سلمان

حماية وحدة لبنان كدعم لفلسطين عراق

قُضيَ الأمر، ولا مجال للمكابرة: لقد انتصر الاحتلال الأميركي للعراق على العراق والعراقيين، وانتصر أيضاً على سائر العرب والمسلمين.
وليست تهمة خطيرة للاحتلال الأجنبي أن يُقال إنه قد انتصر بالفتنة، أو إنه مزق وحدة شعب، أو إنه مزق الكيان السياسي لدولة من الدول التي اجتاحها عنوة ثم فكّكها باستغلال عوامل التمايز بين مكوناتها الإثنية أو الدينية أو المذهبية.
بل لقد حقق الاحتلال الأميركي للعراق أكثر من انتصار واحد: مزّق وحدة العراق بينما العرب يحدّقون ويشهدون تدفق دماء العراقيين المهدورة غيلة وعدواناً، من دون أن يحرّكوا ساكناً، بل لعلهم بعجزهم أو بخوفهم أو بأحقادهم الحقيرة أو بأنانياتهم وخوف حكّامهم على سلطاتهم التافهة يغذون الفتنة ويحرّضون كل طرف من أطرافها على الآخرين.
وليس الموضوع طائفياً، كما يصوّرونه زوراً وتزويراً، فها هم الفلسطينيون من أهل السنة يُذبحون وتُدمّر مدنهم وقراهم وتُسلب منهم أرضهم ويُوأد مستقبلهم في البلاد التي كانت بلادهم، ويُقضى على حلمهم الذي كان حقهم في أن تكون لهم دولتهم فوق بعض الأرض التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم والممتدة جذورهم فيها إلى ما قبل التاريخ..
إن طوفان الدم المسفوح بالفتنة المنظمة في العراق يحمل في طياته أسماء كل المسؤولين العرب عن إهداره، سواء بالتواطؤ المقصود الذي تجاوز حدود التحريض إلى إمداد القتلة بالمال والرجال والسلاح، أو بتجاهل العارف الذي لا يستطيع الادعاء أنه قد أخطأ في التقدير، أو أنه أحسن الظن في الاحتلال ثم خاب ظنه فيه، أو أنه كان يفترض أن خلع الطغيان على يد الأجنبي سيفتح باب الحرية والديموقراطية أمام العراقيين، في حين أن هؤلاء المسؤولين إنما شجعوا الفتنة في العراق حتى يقولوا لشعوبهم: تفضلوا! هذه هي نتائج الديموقراطية! هل تريدون أن تُغرقوا بلادكم في الفوضى الدموية التي ستقضي على أمنكم وأموالكم ومستقبلكم الموعود؟!
إن حكّام العرب بمجملهم شركاء في المسؤولية للاحتلال الأميركي في العراق، وكذلك للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، والاستثناء تشريف لمن يتصدى فيحمي نظامه بوطنه وليس بأعداء أمته.
إن العرب جميعهم معنيون، فنار الفتنة لن تظل محصورة في العراق بل هي ستمتد، وظواهر تمددها واضحة، إلى أقصى الأرض العربية والإسلامية.
والهزيمة الجديدة في فلسطين المتروكة للسفاح الإسرائيلي سترمي وجوههم بالدماء الحارقة.
ولبنان الذي كادت تذهب به نيران الاحتلال الإسرائيلي، والمهدد الآن مع سائر العرب، بالفتنة التي تجد من يغذيها في العراق، والتي بالكاد نجح اللبنانيون في تجاوز مخاطرها قبل حين، يرى نفسه في هذه اللحظة مهدداً بالنارين معاً..
مع ذلك فإن حماية الوحدة الوطنية في لبنان وتحصينها هما جهد مطلوب ومؤثر جداً في معركة العراقيين ضد الفتنة، وفي معركة الفلسطينيين لحماية وجودهم فوق أرضهم ومن ثم حقوقهم فيها.
إنها صرخة تنبّه للخطر الآتي عبر طوفان الدم، وهي موجهة للبنانيين، للمواطنين العاديين، رجالاً ونساءً، شباناً وصبايا، فتياناً وأطفالاً، لهم حق الحلم بحياة أفضل في وطنهم… فحماية لبنان فضلاً عن كونها واجباً وطنياً، فإنها مساهمة مؤثرة في الحد من مخاطر الفتنة في العراق، كما أنها مساهمة طيبة في تعزيز معنويات الفلسطينيين الذين يقاتلون بلحمهم الحي لحفظ الحد الأدنى من حقهم بوطنهم.
صارت حماية الكيان واجباً وطنياً أكثر مما كانت في أي يوم.
… في انتظار أن تكون له دولة تحمي شعبه ونظامه والمؤسسات المجسدة لأمنية الديموقراطية التي قاتلها الاحتلال الأميركي في العراق ليضرب وحدته، وها هو الاحتلال الإسرائيلي يقصفها حتى التدمير في فلسطين حتى يقضي على حلم الوطن.

Exit mobile version