طلال سلمان

حماية عربية احتلال اسرائيلي

لكي يدفع »العرب« عن أنفسهم تهمة »الإرهاب« فلا بد أن يتكفلوا، وتحت الوصاية والمتابعة الأميركية المباشرة، بالقضاء على الانتفاضة وعلى آخر مظاهر الصمود وعلى روح المقاومة في فلسطين، تأميناً لسلامة المحتل الإسرائيلي وسعياً لإدامته إلى ما شاء الله… فإذا »انتهت« الانتفاضة أغلق الاحتلال فوهات مدافعه ونام طياروه وطواقم دباباته وتركوا الفلسطينيين يموتون بسلام، وأعادوا إلى العرب اعتبارهم كأصدقاء مخلصين!
هذه خلاصة المقترحات الجديدة التي سيعمل لتنفيذها رئيس جهاز المخابرات المركزية الأميركية الجنرال جورج تينيت: إنشاء هيئة رعاية أو وصاية عربية تشارك فيها مصر والسعودية والأردن، تحت الإشراف الأميركي المباشر، لتوجيه عمل »شرطة السلطة« في فلسطين ومتابعة حسن أدائها لمهمتها باجتثاث روح المقاومة من صدور الناس والاطمئنان إلى انطفاء الانتفاضة، والتثبت من أن أي شاب أو فتاة أو مجموعة من الشباب أو الفتية لن يفكروا لا اليوم ولا غداً ولا في أي يوم بتفجير دمائهم في المحتل الإسرائيلي، مما يوفر الأمن والأمان للجميع ويفتح الباب للكلام عن المفاوضات!
أي أن المطلوب من »العرب« التحقق من أن السلطة الفلسطينية تؤدي مهمتها بنجاح في إنهاء روح المقاومة، مما يؤهلها من ثم للفوز في امتحان »الإصلاح« و»الديموقراطية« و»نزاهة القضاء« و»سلامة برامج التعليم«، ويبرّئها من شبهة ممارسة »الإرهاب« أو رعايته بمختلف تنظيماته التخريبية تستوي في ذلك »فتح« و»حماس« و»الشعبية« و»الديموقراطية« و»الجهاد الإسلامي«…
إنه تقسيم وظيفي عادل: الولايات المتحدة تواصل تدجين السلطة (الفاسدة) سياسياً، و»العرب« يشرفون على قمع روح التمرد أو الاعتراض أو المقاومة الفلسطينية، وإلا حوسبوا كشركاء في »الإرهاب« أو كمحرّضين عليه، وبهذا يطمئن الاحتلال الإسرائيلي فيهدأ روع الرئيس الأميركي جورج بوش ويوقف حملته اليومية على ياسر عرفات لأنه عندئذ سيكون عند حسن ظنّه فلا يخيب أمله فيه، بل ربما استحق دعوة إلى مزرعته الخاصة أو ربما إلى المنتجع الجميل في كامب ديفيد.
لينظف العرب سجلاتهم الإرهابية، وليمسحوا أخطاءهم بجلودهم، وليؤكدوا صدقهم في مبادرتهم الخيرة والطيبة والمحبة للسلام وذلك بأن يتولوا الوصاية على السلاح الفلسطيني، على كل شرطي وكل بندقية وكل طلقة بحيث لا توجه النار، إذا ما لزم استخدامها، إلا إلى الذين يحاولون »إرهاب« إسرائيل وإفساد »خطة السلام« التي ينفذها أرييل شارون.
أي أن الأمن الإسرائيلي سيغدو مسؤولية عربية بإشراف أميركي مباشر، أما الأمن الفلسطيني، وأما المطالب المشروعة للفلسطينيين في أرضهم، وأما حلم الدولة بعاصمتها القدس الشرقية، فضلاً عن حلم اللاجئين بالعودة، فسيبقى من مسؤولية إسرائيل المطلقة حتى من الرقابة الأميركية.
الأرض، إذاً، لإسرائيل وتحت احتلالها، و»السلطة« حرس حدود مشكوك في ولائه ولذلك فهي تحت الوصاية العربية، ولأن هذه الوصاية مشكوك فيها فثمة رقابة أميركية صارمة على حسن التنفيذ، أي ضمان انطفاء الانتفاضة وروح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني والتسليم بالقدر الإسرائيلي، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
لا يكفي »أنطوان لحد« فلسطيني واحد، ممثلاً »بالسلطة«، بل لا بد من أن يكون ثمة أكثر من »أنطوان لحد« عربي، لحماية إسرائيل ودرء التهمة الأميركية الدائمة للعرب بأنهم »إرهابيون« وفي »محور الشر«.
حماية إسرائيل مهمة عربية تعادل نفي تهمة الإرهاب عن أنفسهم، وقبول انتسابهم من جديد إلى الحظيرة الأميركية. لكن عليهم أن يدخلوها من الباب الإسرائيلي.
لعله أخطر قرار يفرض على العرب منذ دهور.
إنه قرار يلغي الفلسطيني كطرف سياسي، كصاحب قضية وصاحب حق في أرضه ولو بالثورة أو المقاومة أو الانتفاضة. إنه لا يلغي »السلطة« فقط بعد دمغها بالفساد، (وبالاستطراد يلغي بالتجاوز أساسها »الفاسد« ممثلاً باتفاق أوسلو)، بل هو يحوّل العرب من موقعهم الطبيعي كشريك نضالي لأخوتهم الفلسطينيين، ولو بدور مساند أو مساعد أو مسعف، إلى »طرف متواطئ« عليهم لحساب عدوهم.
إن براءة العرب من تهمة ممارسة الإرهاب ضد الأميركيين (تفجيرات 11 أيلول) لا تكون إلا بتدخلهم المباشر لتأمين إسرائيل في وجه المقاومة الفلسطينية. هكذا تتوحد أميركا وإسرائيل في »محور الخير«، حسب نظرية شارون، أما العرب فعلى كل طرف منهم أن يذبح شقيقه ليُقبل طلب انتسابه إلى هذا المحور.
إنه قرار يدفع العرب إلى حروب أهلية داخلية، أولها في فلسطين، لكي يؤمنوا الحماية للاحتلال الإسرائيلي، اليوم وغداً، وتحت الهيمنة الأميركية دائماً.
بقي أن نسمع ما ينقض هذه الخطة الأميركية من الأطراف العربية المسماة وهي بالتحديد: مصر والسعودية والأردن.
حتى هذه اللحظة، يصعب على أي عربي أن يصدق أن »المبادرة العربية« التي قدمها ولي العهد السعودي إلى قمة بيروت فأقرتها، بعد تعديلات طفيفة، بالإجماع، في طريقها لأن تتحول بالترجمة الأميركية إلى تواطؤ عربي مكشوف على شعب فلسطين لحساب الاحتلال الإسرائيلي، ولو نتيجة لضغط أميركي ثقيل الوطأة.
ومع أن في مقترحات تينيت ما يشير إلى موافقة »السلطة الفلسطينية« عليها، وإلى ما يفيد بعدم اعتراض الأطراف العربية المعنية، إن لم نقل باستعدادها للمشاركة في التنفيذ، فالأمر لا يحتمل الاعتماد على الظن أو التقدير.
وبالتالي فالمطلوب أن نسمع من القاهرة والرياض وعمان ما ينفي عن هذه الأطراف العربية هذا الاتهام الظالم، كما نرجح، وهذا الترشيح الأميركي لأداء هذه المهمة القذرة، لكي تبقى الأيادي الأميركية (والإسرائيلية) نظيفة.
والصمت دليل تواطؤ، في أقل تعديل.

Exit mobile version