على الطريق
حكومة »القيادة السياسية« والادارة..
***
ربما لأن اللبنانيين نزقون وميّالون الى العجلة والاستعجال والتعجيل في ما لا بد ان يكون،
أو ربما لأن العهد الجديد قد أطل وسط هالة من الوعود والتعهدات لامست حدود الأماني المخبوءة او التي تنطوي عليها الصدور منذ دهور،
او ربما لأن الناس يشعرون بأنهم قد استغفلوا، احيانا، وقد سافروا بعيدا مع الأوهام، في أحيان اخرى، ثم اكتشفوا او افهموا مباشرة او مداورة انهم انما يعومون في بحر من الأخطاء والأغلاط المكلفة،
ربما لغياب اي معيار سياسي للحساب والعقاب، وتغليب ما هو »إداري« وضمني أو مضمر على كل ما عداه،
ربما لهذا كله بدأ اللبنانيون يتذمّرون، ومن ثم بدأوا يتشككون في التدابير الادارية المتخذة، وخصوصا انهم كانوا وما زالوا يتوقعون انجازات اهم من هذه النخبة من العلماء والخبراء التي تلاقت تحت رئاسة الدكتور سليم الحص في حكومة العهد الاولى،
وحتى لو كانت تلك التدابير ممتازة فهي أقل من المتوقع او المأمول، فكيف وقد بدأ اللغط يطال اسماء بعض من تم استذكارهم وجيء بهم من النسيان الى مواقع حساسة، وفي ظل شعارات قريبة من قلوب الناس، في طليعتها »الإنقاذ والتغيير«.
ان أخطر ما يمكن ان تتعرض له هذه الحكومة ان تبدو »عادية«، فقد ولدت في ظرف استثنائي، وقدمت عبر مهمة استثنائية انتدبت نفسها لإنجازها، وحظيت وما تزال برعاية استثنائية، حتى لقد بدا في لحظة وكأنها »محصّنة« لا يأتيها الباطل لا من خلفها ولا من أمامها.
والحقيقة ان النقد الموجه الى الحكومة يبدأ من الادارة لينتهي في السياسة، مع تركيز على دور »السياسيين« فيها،
والسبب المباشر ان الناس يرون في هذه الحكومة، كما في التي قبلها، القيادة السياسية للبلاد، وهم يطالبونها ويحاسبونها على هذا الأساس، ولعلهم يطلبون او يطمحون لان يروا فيها وفي أعمالها ما كانوا يفتقدونه في غيرها.
لم يرفع أحد صوته بالاحتجاج على صرف (او اعفاء) من صرف من رجال الصف الاول في الادارة، وهذا دليل ثقة في القرار الحكومي، لكن الأمر مع التعيينات اختلف، ربما لان الناس كانوا يتوقعون ارتقاء في الاختيار يمهد لثورة ادارية شاملة تقربنا من العصر وضروراته العملية.
على ان اللبنانيين ينتظرون ان يسمعوا من قيادتهم السياسية، اي من حكومتهم، ما يتصل بالمستقبل، اكثر مما يتصل بالماضي، اي ان تقدم لهم نموذجا اكثر تقدما وحيوية وعصرية اضافة الى النزاهة في ما يتصل بدولتهم.
لكن الحكومة متحفظة كثيرا في طرح رؤيتها السياسية (المستقبلية)،
.. والمجلس النيابي، غائب تماما كمؤسسة سياسية، اللهم إلا إذا اعتبرنا دفاعه عن مدته موقفا سياسيا متقدما أو ثوريا!!
إن اللبنانيين لا يقبلون من الرئيس سليم الحص (وبالتالي من العهد) حكومة عادية،
ويعتبرون ان الشأن الاداري قد أخذ من وقتها أكثر مما يستحق، خصوصا إذا ما ظل في حدود المفاضلة بين الأشخاص.
وهم لا يقبلون من العهد ان يظل محكوما بشبح الماضي، يبرر نفسه يوميا بأنه »مختلف« عنه ومعه…
لقد عرف الناس من كان من الماضي وما كان منهم،
وهم الآن ينتظرون مع العهد مستقبلهم،
وحول هذا المستقبل يجب أن يتركز النقاش.
طلال سلمان