وصل العماد إميل لحود إلى رئاسة الجمهورية في ما يشبه الإجماع الشعبي والسياسي، دلّت عليه استطلاعات الرأي قبل أن تؤكده أصوات المئة وستة عشر نائباً من أصل مئة وستة وعشر نائباً كانوا حاضرين..
كان ثمة مرشحون كُثُر للرئاسة، بينهم من له رصيد طيب في العمل الوطني والقومي، وبينهم من هو أكثر خبرة في الاقتصاد والإدارة، وبينهم بطبيعة الحال من يرى نفسه أكفأ في إدارة اللعبة السياسية.
لكن الدور المميّز الذي لعبه إميل لحود كقائد للجيش في إعادة بناء هذه المؤسسة على قاعدة وطنية سليمة خلاصتها التحالف العضوي مع الأخ الشقيق والرد على تحدي المحتل الإسرائيلي بالصمود وبحماية ظهر المقاومة الباسلة، كان أبرز الأسباب التي اعتمدت لتزكيته.
على هذا فالرصيد الأساسي للعماد الذي صار رئيساً كان مصدره وطنياً، لا أثر فيه لشبهة »طائفية«، وخصوصا أن »بيت جميل لحود« لم يعرف يوما بالتعصب أو بالضلوع في لعبة الإثارة الطائفية وتوسلها سبيلاً إلى »الزعامة« ومن ثم إلى الرئاسة بوصفه »الممثل الشرعي« للموارنة أو للمسيحيين عموماً.
اجتمع لإميل لحود التراث الوطني لبيت أبيه مع دوره الشخصي في إعادة بناء الجيش على أسس وطنية ومغايرة للقواعد الطائفية التي كانت معتمدة، والتي كثيرا ما عطلت الدور الوطني »للجيش القديم« نتيجة توظيفه أو إظهاره وكأنه »الضمانة العظمى للمسيحيين« وليس كما ينبغي أن يكون درع الوطن في مواجهة الخطر الإسرائيلي الذي تحول عمليا الى اجتياح متكرر وإلى احتلال دائم لجزء من التراب الوطني ناهيك عن عمليات التدمير المتواترة للبنية التحتية وعمليات القتل التي ارتكبها جماعياً مرة وفردياً كل يوم تقريباً.
ويعرف اميل لحود، قطعا، ان التسليم بمنطق التقاسم الطائفي يؤذيه شخصيا، كرئيس للبلاد، اكثر مما يؤذي اي رجل آخر.
إن بعض السياسيين توسلوا في الماضي وقد يتوسلون اليوم التهييج الطائفي لأنهم لا يملكون من الرصيد الوطني ما يكفي لرفعهم الى سدة الرئاسة او الى موقع المرجعية الوطنية.
ولقد يستطيع القوي او المستقوي بطائفيته ان يحقق طموحه الشخصي في الوصول الى الموقع الفخم، ولكن البلاد سرعان ما تدفع ثمن حكمه ثم ثمن الانهيار الذي لا بد سيعقبه، والتجارب ناطقة ولا حاجة الى الاستشهاد بأسماء الذين تسببوا بالحرب/ الحروب الاهلية (المحدودة منها كما في 1958 او العظمى كما على امتداد معظم سنيّ السبعينيات وكل الثمانينيات)..
لقد دفع لبنان غاليا ثمن الزعامات الطائفية التي كادت تلغي »الجمهورية« ناهيك بنظامها البرلماني الديموقراطي، بل وشردت اللبنانيين في اربع رياح الأرض، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية.
ويعرف العماد اميل لحود، انه بموقعه كرئيس وكمرجع اخير ضمانة لعدم تطئيف النظام مجددا.
كذلك يعرف الرئيس اميل لحود انه سيكون الخاسر الاول اذا ما صار المعيار المعتمد في الرئاسة والمواقع المتقدمة طائفيا، او اذا ما اعتمدت قاعدة مضللة مفادها: ليكن الحكم ائتلافا بين الزعماء في طوائفهم.
إن الحكم ينجح ببرنامجه وقدرته على الانجاز وتحقيقه لمطالب الناس وحاجاتهم وتقريبهم من طموحاتهم المشروعة.
والحكم، سياسيا، ائتلاف بين القوى الممثلة للبنانيين والمؤهلة لتنفيذ مثل ذلك البرنامج المستجيب لحاجاتهم، وفي حالتنا الراهنة: لإنقاذهم من الانهيار.
والائتلاف سياسي وليس طوائفيا، فالطائفيون لا ينتجون ولا يحققون برنامجا للانقاذ الوطني كالذي نحتاجه في هذه اللحظة.
… واستطرادا: فنتائج الانتخابات تقرأ بالسياسة لا بمنطق الطوائفيين الذين يتطلعون الى لحظة الخلاص من كل من وما هو وطني: في الرئاسات وفي الجيش وفي المجتمع، ليصير الحكم اليهم مباشرة او بالواسطة، وتلك أسرع السبل الى انهيار لا نهوض بعده.