نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 28 تموز 2010
أي عقل جهنمي أبدع هذا المخطط التدميري بوضع «العدالة» في مواجهة «العزة الوطنية» بحيث تتحطمان معاً ويخسر الوطن وحدة شعبه وفرصة قيام دولته بعدما تحررت أرضه بدماء مجاهديه؟
أي عقل تآمري حبك هذا السيناريو المتفجر القاضي بإدراج جريمة الاغتيال التي استهدفت الوطن، عبر رجل الدولة الأبرز والأقوى، الرئيس رفيق الحريري، في مواجهة فرسان التحرير من أهل المقاومة؟!
فالجريمة التي أودت بحياة الرئيس الشهيد تكاد تكون ـ في جانب منها ـ تأديباً لأي مسؤول رسمي ينحاز ـ سياسياً ـ إلى المقاومة، ويضيف إلى جهدها القتالي، المميز في كفاءته، قدراته السياسية وصلاته بمراكز القرار، عربياً ودولياً، من أجل حماية حقها المشروع في تحرير المحتل من أرضها ولو بدماء مجاهديها؟! (هل يمكن أن ننسى جميعاً «تفاهم 16 نيسان 1996» ودور الحريري فيه؟).
بالمقابل فإن التآمر على المقاومة في لبنان، بعد إنجازها التاريخي، ومحاولة إغراقها في المستنقع الطائفي والمذهبي، إنما يستهدف تأديب الشعب في لبنان، ومعاقبته على «خرقه» المحظور وتصديه ـ بالسلاح ـ للاحتلال الإسرائيلي وإجلائه ببسالة مجاهديه المحصنة بالتأييد الشعبي العارم.
فالعدالة، هنا والتحرير وجهان لقضية واحدة، وليسا قضيتين.
من يفصل الذراع عن القلب والعين عن الوجه والحق عن العدالة والتحرير عن إعادة بناء الدولة؟!
من قال إن رفيق الحريري هو شهيد بعض اللبنانيين وبعض العرب وليس شهيدهم جميعاً، من اتفق معه حتى في التفاصيل، ومن اختلف معه ولم يختلف عنه في إيمانه بحق الوطن في الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال؟!
ومن قال إن المقاومة التي قدمت كل ما تملك من قدرات لتحرير الوطن، رجالاً ونساءً وأطفالاً، مدناً عامرة وقرى وادعة بأهاليها الذين يحبون الحياة لكنهم يريدونها كريمة، كانت تنظر إلى بعض الوطن وليس إليه جميعاً، وإلى قسم من اللبنانيين وليس إلى مجموعهم كشركاء مصير، ومن بعدهم إلى إخوانهم العرب وسائر الطامحين إلى حقهم في الحرية وفي الكرامة؟!
من ينكر أن اغتيال رفيق الحريري إساءة جسيمة لصورة لبنان الخارج منتصراً من معركة تحرير أرضه، والمقاومة هي أول المتضررين وأكبر المتضررين من هذه الإساءة؟!
من يستطيع أن ينكر أن إسرائيل لم تغفر للبنان انتصار مقاومته، بتحرير أرضه في العام 2000، وأنها عملت وما تزال تعمل وبكل جهد لتخريب هذا الوطن الصغير وتأديب شعبه الذي خلخل صورة «القوي الذي لا يقهر»، وشجع الشعب الفلسطيني على مواصلة المقاومة بكل الوسائل المتاحة ومنها الانتفاضة؟!
من يمكنه ادعاء الفصل القاطع بين مسلسل عمليات التخريب والتحريض على الفتنة وبين حرب تموز التي أرادت منها إسرائيل إعادة الاعتبار إلى جيشها الذي عجز عن الانتصار، في العام 2006، فكانت ضربة ثانية لهيبته بعد هرولته منسحباً ومتخلياً عن كل «عملائه» من اللبنانيين الذين كان يستخدمهم دروعاً بشرية لجيش احتلاله طيلة اثنين وعشرين عاماً أو يزيد؟!
كان الرهان الإسرائيلي (ومن خلفه سائر داعميه الدوليين ومناصريه المستترين من العرب) على انقسام اللبنانيين (والعرب خارجه) من حول المواجهة معها… فلم يكن أحد من هؤلاء ليتصوّر أن المقاومة ستصمد طيلة ثلاثة وثلاثين يوماً على التخم مع فلسطين المحتلة، لا تتراجع عنه ولا توقف نيرانها، إلى أن صدر القرار الدولي الذي لم تعتبره إسرائيل (وقد ساعدها في ذلك نصه الملتبس) إنهاء للحرب بل مجرد وقف للعمليات العسكرية.
لهذا كله كان لا بد من اللجوء إلى تخريب الداخل بالفتنة..
تكفي استعادة مسيرة كشف شبكات التجسس لحساب إسرائيل التي تبيّن أنها تنخر الجسد اللبناني بمؤسساته جميعاً، المدنية والعسكرية.
وتكفي استعادة مسيرة الكشف عن التغلغل الإسرائيلي في شبكة الاتصالات بما يكشف لبنان، دولة وشعباً، أمام العدو..
وهناك شواهد أخرى على الجهد الإسرائيلي الهائل، المعزز بتغطية أميركية حين يتطلب الأمر، وبنصائح مشبوهة من بعض الأوساط الرسمية العربية، التي سلمت للقدر الإسرائيلي بحقه في رسم مستقبل هذه الأمة كمنطقة نفوذ ومصدر قدرات مادية لا تنضب… أوليست في واقعها الراهن وبعد «تأديب» قوى الاعتراض وشطبها والتشهير بالمقاومة واعتبارها أداة للفتنة تخدم الطموح الإسرائيلي للهيمنة على المنطقة جميعاً؟!
[ [ [
إنها قضية واحدة: العدالة والمقاومة.
بهذا المعنى فالمقاومة في طليعة المعنيين بالعدالة، بل وبالثأر لدماء رفيق الحريري ورفاقه من الشهداء الذين سقطوا معه..
فلا يخطئن أحد فيسيء إلى لبنان جميعاً، بل ويفتح أمامه أبواب الخطر التي عجز عن فتحها العدو الإسرائيلي، الذي سيظل عدواً لكل لبنان، وليس لبعضه، ولكل العرب وليس لقسم منهم دون الآخرين!