هي حرب إسرائيلية مفتوحة على لبنان، لم يطلبها ولم يرغب فيها، ولكنها مفروضة عليه بالذات، وأكثر من مجموع محيطه، منذ زمن بعيد، وعلى كل صعيد، وإن كانت قد اتخذت الآن صورتها الكاملة: قتلاً وتدميراً ونسفاً لمقومات الحياة، الكهرباء والمياه والمواصلات والاتصالات.
هي الحرب الإسرائيلية. وهي حرب على لبنان كله حتى لو تركزت نيرانها على قلعة صموده في الجنوب، والطرق منه وإليه، وبعض ضواحي عاصمته وأطرافها، وبعض بقاعه، وبعض جبله، وبعض شماله، وسيادته واستقلاله جميعاً.
هي الحرب الإسرائيلية. والحرب من الخطورة بحيث يفترض أن تجبَّ ما كان سائداً قبلها من ترف الخلافات السياسية بين القوى والجماعات والأطراف المتعارضة والمتباينة في تقديراتها أو تحليلاتها، سواء أكانت موضوعية أم ذاتية، أو كانت مروّجة وموزعة ومدسوسة استدراراً للاشتباك والفرقة وسعياً إلى تحويل التعارض إلى صدام بالشعار الطائفي وبالتالي إلى الفتنة.
هي الحرب الإسرائيلية حتى لو رغب بعض القادة العرب في أن يتنصلوا من عبء التضامن وموجباته هاربين إلى تضخيم الذريعة حتى تطمس الهدف الأصلي المقرّر والمدروس والموضوعة خطط تنفيذه إسرائيلياً منذ زمن بعيد، في انتظار التوقيت المناسب الذي لا يمكن فصله عن توفر المناخ المناسب، على الصعيد الدولي أساساً ومن ثم على الصعيد العربي بالتبعية… علماً بأن هذا البعض من العرب يبدو أكثر تعجلاً من الدول للخلاص من كل ما يدل على المقاومة، أي مقاومة، وما يرمز إليها، فكيف إذا ما استشعروا بل هم قد أُبلغوا أن القرار الإسرائيلي مغطى بتأييد دولي كثيف، وصلت ضغوطه إلى بيروت، ولكنه بحاجة إلى غلالة عربية للتمويه، من أجل أن يبدو كأن حرب العالم جميعاً ضد جماعة من المغامرين الذين يهددون أمان الجميع، أقربهم فالأبعد.
هي الحرب. فلنتمثل بعدونا. لقد توحّدت إسرائيل، بأحزابها العديدة، المتعارضة في منطلقاتها الفكرية، وفي معتقداتها الدينية. علّقت الصراعات السياسية والانقسامات، وتوحّدت من خلف جيشها وهو الحزب الأقوى، والمستعمرين بالمتدينين المتشددين الذين يرفضون الدولة ، والعلمانيين بالمتحدّرين من القوميات المختلفة، بالبيض منهم والملونين، الأوروبيين منهم والأفارقة وحتى الذين ما زالوا يحملون هويات البلاد العربية التي جاءوا منها.. ليقاتلوها، من بعد.
هي الحرب. وقد أمضى نصف مليون إسرائيلي ليلتهم الماضية في الملاجئ، ولكن واحداً منهم لم يتذمر ولم يتأفف. أما في لبنان فلا ملاجئ مجهزة لحماية مواطنيه من مثل هذا الخطر الأكيد. ملاجئهم قراهم البعيدة. أما الجنوبيون منهم، والذين لا يستطيعون العودة إلى قراهم، فإنهم يتحوّلون إلى لاجئين.
هي الحرب الإسرائيلية. وقد جوّفت الحرب العاصمة الأميرة، وكادت تفرغها من سكانها الذين لا يجدون فيها الأمان المحمي بالقوة.
هي الحرب… وجنود العدو كانوا يظهرون للبنانيين في بوارجهم وزوارقهم القريبة من الشاطئ كأنهم في رحلة صيد، فالبحر لهم، والسماء لهم. وكل أسباب العمران، المباني والمنشآت، البيوت والمراكز الإعلامية، المكاتب والدكاكين هي أهداف محتملة، يدكونها متى شاءوا وكيف شاءوا (إلى أن دهمتهم الصواريخ البحرية فأسقطت أوهامهم والجنود..).
هي الحرب الإسرائيلية. وهي حرب ضد الوطن كله وضد مواطنيه جميعاً بغض النظر عن مدى تطابق آرائهم السياسية أو اختلافها. إنها حرب لا تستثني منهم أحداً. لن تتوقف القذيفة فتمتنع عن قتل مواطن لا يؤيّد حزب الله ولا يقول قوله. ثم إن تدمير أسباب الرزق وأسباب الأمان، بل أسباب الحياة، سينعكس على مجموع المواطنين. وباتت في الخلف تماماً تلك الأسئلة عن موعد العملية والتفرّد في التوقيت وفي اتخاذ القرار.
هي الحرب الإسرائيلية. وقد تهاوت أساطير الحمايات الدولية والمساندة المفتوحة للحكومة من دون الرئيس و”لثورة الأرز” من دون الخارجين عليها. أما اتصالات الدوليين الكبار فلم تحمل ما يطمئن، بل حاولت تحريض بعض الحكومة ضد بعضها الآخر، وبعض الحكم ضد أهله… فلما جاءت الجلسة الخاصة لمجلس الأمن انكشف المستور، وثبُت أن “الدول” مع الحرب الإسرائيلية، وأنها إنما تريد من الحكومة أن تنحاز إليها ضد شعبها… فكان طبيعياً أن يلتزم الجميع بموجبات الموقف الوطني الواحد الموحّد.
إنها الحرب الإسرائيلية. وهي ضد اللبنانيين جميعاً. فلنواجهها موحدين، ليس فقط من أجل تحديد الخسائر، بل أساساً من أجل حماية مستقبلنا في وطننا.
“السفير”، 15 تموز 2006