طلال سلمان

حاكم ديموقراطي شعب دكتاتوري

نصف الديموقراطية هو نقيضها، فكيف بثلثها أو ربعها أو ما تيسر منها؟!
أما »الديموقراطية بالأمر« كالتي تفرض على العديد من الحكّام العرب فيقدمونها كمنحة لرعاياهم، هذه الأيام، فتكاد تكون أسوأ أثرù من الدكتاتورية والطغيان ووحدانية السلطان.
إنها تشوِّه صورة »الشعب« من أجل أن تزيِّن صورة الحاكم!
وهي تهدد سلامة البلاد من أجل أن تضمن الاستمرارية للنظام بعد إضفاء شرعية شكلية عليه.
إن بعض الأنظمة العربية تكتسب الآن شهادات حسن سلوك أميركية وغربية عمومù من خلال تكرّمها على رعاياها »بانتخابات« معروفة النتائج سلفù، ومزورة بالتأكيد، ومعترض عليها قطعù، لكن الاعتراض معرَّض لأن يصنَّف فعل إرهاب والمعارضين مهددون بأن يتهموا في إيمانهم بالحريات والانتخابات وحقوق الإنسان!
المعارض الجزائري فاز بالانتخابات، ذات يوم فألغيت الانتخابات كلها، وتقرّر شطبه بقوة السلاح كطرف سياسي مؤهل لاستلام السلطة، ودفعت الجزائر أكثر من خمسين ألف ضحية حتى اليوم، وهي معرضة لأن تدفع المزيد، إذا لم تفرض »الديموقراطية بالأمر« على الحاكم أن يعترف بمعارضيه وأن يتنازل عن احتكاره السلطة، كل السلطة، بمؤسساتها كافة ومن أعلى المستويات حتى أدناها.
الأخطر أن الانتخابات الأولى صُوِّرت وكأنها سبب المحنة ومصدر الخطر على وحدة الجزائر الوطنية وعلى هويتها القومية ومكانتها الدولية.
بعدها مباشرة تبدَّت الجزائر للعالم أرض صراع بين »الإسلاميين« و»المناهضين للأصولية« أو »العلمانيين« و»الليبراليين«، وبين »العرب« و»البربر«، وبين »الجيش« والقوى السياسية جميعù،
كأنما كانت الانتخابات المطلقة السراح هي السبب في ذلك كله،
في حين تمّ قبول الانتخابات بالأمر، والمضبوطة بقوة السلاح، وبالخوف من شبح الحرب الأهلية والسعي لتجنبها بأي ثمن، وتوالت التهاني على الرئيس الجزائري وكأنه أنجز ما كان قبله مستحيلاً!
أما في مصر فإن الديموقراطية بالأمر تكاد تضرب الوحدة الوطنية، وتكاد تصدِّع الطبيعة المتسامحة دينيù والتي طالما تميّز بها المصريون.
إن الديموقراطية الشوهاء، بمنطلقها وأدواتها وأساليبها واستهدافاتها، تقضي حكمù باستبعاد المعارضين، ويمكن توسيع مفهوم المعارضة بحيث تشمل كل صاحب رأي وكل صاحب موقف، خصوصù وأن تهمù مثل التطرف والأصولية والإرهاب جاهزة ليُرمى بها كل مخالف.
… وبذريعة أن خصم السلطة الأساسي هم »الإسلاميون«، فقد استبعد »حزب الحاكم« الذي »اشترى« الانتخابات بدوائرها والمقاعد جميعù، عن قوائمه الأقباط الذين يشكلون أكثر من عشرة في المئة من عموم المصريين،
ثم أن الأقباط المهمَّش دورهم في الحياة السياسية بقرار مبهم بعضه من السلطة وبعضه من تيارات داخلهم، قد تجنّبوا أن ينخرطوا في معركة تجري بين »حكم الإسلام« وبين »حكم المسلمين«؟!
وكيف تكون ديموقراطية تلك الانتخابات التي »تقاطِع«، بداية، أعرق الطوائف في مصر والتي كتبت صفحات مجيدة في تاريخ مصر الديني (الإسلامي) كما في تاريخها الوطني… هذا من قبل أن يسقط المرشحون الأقباط سهوù، ومن قبل أن »يُجبر« الناخب القبطي على المقاطعة؟!
وربما كان بين ما يعزي أقباط مصر أن المصنفين قادة للتيار الإسلامي قد أسقطوا قصدù لا سهوù، وأن الناصريين واليساريين ومكتملي النمو إجمالاً قد سقطوا هم الآخرين.
وهكذا لم يفز إلا مَن ثبت شرعù أنه لا مسلم ولا قبطي، لا قومي ولا تقدمي، لا وطني تقليدي (وفدي) ولا وطني مجدّد (ناصري)… أي لم يفز إلا كتبة السلطان والمنافق الخصوصي والهبيشة والهليبة والذين يشكلون شهادة ضد النظام لا له.
* * *
ليس أعظم شوقù من هذا العربي المشلوح في صحراء القمع إلى الديموقراطية، إلى الانتخابات، إلى صندوقة الاقتراع السحرية، إلى أي شكل من أشكال التعبير عن الرأي، إلى أي قدر من حقوق الإنسان،
لكن هذا الذي يجري يضيف إساءة جديدة إلى هذا المواطن العربي، لأنه يظهره قاصرù تحت سن الرشد، وأقل أهلية من أن يمكَّن من حكم نفسه بنفسه أو من أن يكون شريكù في السلطة، أو حتى من أن يكون له رأي فيها،
والأخطر أن هذا النمط الأشوه من الديموقراطية يصدع وحدته الوطنية من دون أن يقرّبه من حقوقه السياسية بل من حقوقه كإنسان، إجمالاً!
إن الأنظمة لا تقبل من شعوبها إلا الأزلام، وكل ما نجح بعض الناس في إثبات براءتهم من شبهة الموقف ومن صلابة العقيدة ومن نزاهة الكف ومن الضمير إجمالاً، فتحت أمامهم الأبواب ليتصدروا،
لقد »قام« مجلس شعب جديد في مصر، ولكن أين الشعب، وأين مصر، فضلاً عن المجلس،
أما الحريات الديموقراطية وحقوق الإنسان فتظل دائمù خارج الموضوع طالما استمر النظام يصادر الداخل، كل الداخل..
* * *
أليس من طريق أقل كلفة إلى »الشرق الأوسط الجديد« من هذه »الحكموقراطية«؟!

Exit mobile version