طلال سلمان

حافظ اسد كتحد لبشار اسد

وضعت المقادير بشار حافظ الأسد في تحد خطير للذات ومع الذات ندر أن كان له مثيل، في أي من بلاد الدنيا الواسعة.
فهذا الشاب الذي كان قد اختار طريقه بعيداً عن السياسة، يجد نفسه الآن على عتبة التصدي لقيادة بلد لم يسلس قياده عبر تاريخه الطويل إلا لاثنين من الرجال الذين قُدِّر لهم (وكل من موقعه) أن يسهموا في صناعة تاريخ المنطقة برمتها انطلاقا من دمشق، وليس سوريا فحسب: معاوية ابن أبي سفيان، قبل أربعة عشر قرنا، وحافظ الأسد في الثلث الأخير من القرن العشرين.
إنه رجل الغد. لكنه محكوم بالظل الكبير لبطل عظيم اجترح سلسلة من المعجزات التي جعلت من سوريا التي كانت مجرد أرض للصراع محوراً أساسياً بل ومحركاً أساسياً للصراع حول المنطقة العربية الفائقة الأهمية عالمياً، ومسرح بعض الأبرز والأخطر من الأحداث التي هزت العالم، على امتداد العقود الثلاثة، بدءاً بأيلول الأسود (1970) والصدام بين المقاومة الفلسطينية المنطلقة بزخم هائل والنظام الأردني، مرورا بحرب 1973 المجيدة برغم أنها أجهضت من قبل أن تحقق أهدافها، وصولاً إلى تفجر الحرب/ الحروب في لبنان، و»زيارة السادات« للقدس المحتلة وخروج مصر من حومة الصراع العربي الإسرائيلي، إلى حرب العراق صدام حسين ضد الثورة الإسلامية في إيران، وصولاً إلى غزوة صدام الكويت، ثم مؤتمر مدريد كنقطة تحول خطيرة في سياق الصراع الذي اتخذ الآن صيغة »العملية السلمية«، بغير أن ننسى إنهاء الحرب ومن ثم »التمرد« في لبنان، وقيام نظامه الجديد تحت المظلة السورية.
أين أيام معاوية من أيام كلينتون (أمبراطور الكون) والمشروع الصهيوني بالتأييد العالمي الواسع، وبالتفوق العسكري الكاسح لدولته إسرائيل التي أقيمت على أنقاض فلسطين (جنوب سوريا) وبالتقدم الاقتصادي الذي يشكل في جملة ما يشكل امتحانا قاسيا في المواجهة وامتحانا أقسى في المنافسة.
وأين همّ لبنان، وهو أحد أعظم إنجازات حافظ الأسد وقد انتقل به من خانة »وكر التآمر على سوريا ونظامها« إلى الحليف الأساسي والشريك الوحيد لها في مسارها وفي المصير؟!
لن يكون بشار الأسد وحده، بطبيعة الحال.
فتراث حافظ الأسد، بتجربته الغنية، وتحدياته الهائلة لما كان يعتبر في حكم القدر الذي لا يرد، ونجاحاته المتميزة بل الباهرة في العديد من المعارك التي كان الفوز فيها ضربا من المستحيل، كل ذلك سيشكل معينا لا ينضب يستمد منه بشار الأسد الخبرة والمعرفة بالأحوال والناس، أصدقاء وحلفاء وخصوما وأعداء، لكنه سيشكل في الوقت نفسه تحديا عظيما لطبيب العيون الذي رفعته المقادير إلى المنصب الخطير الذي يعرف هو أنه سيكون »مركباً خشناً«، وأن عليه يومياً أن يثبت جدارته به، بل وأنه لن يعيش على السحب من الرصيد الممتاز لوالده العظيم، بل سيحرص وبكل جهده أن يضيف إليه.
ومن الظلم لبشار الأسد أن يطالب بأن يكون حافظ الأسد الثاني، فلكل رجل تجربته ورؤيته وأساليبه في العمل ورؤياه للمستقبل… فكلاهما ينتمي إلى جيل مختلف، ولا يمكن أن يرضى بشار الأسد بأن يكون مجرد امتداد للقائد الفذ حافظ الأسد، فضلاً عن أن ذلك مخالف للطبيعة.
»التغيير عبر الاستمرارية«، هذا هو الشعار،
ومع أن حافظ الأسد قد مهّد الطريق أمام نجله، الذي كان عليه أن يعوّض شقيقه الغالي باسل الأسد، وعليه الآن أن يعوّض الوالد الذي لا يعوَّض، فإن بشار الأسد سيكون عليه أن يبني تجربته الخاصة، وبأسلوبه الخاص، وبرجاله الذين اختارهم وسيختارهم، من داخل الحزب والمؤسسات، وأحيانا من خارج هذا وتلك، خصوصا وأن الكثير من شباب سوريا، كما من شباب الأقطار العربية جميعا، قد هجروا أوطانهم إلى حيث يتوفر لهم مناخ أفضل إضافة إلى فرص عمل أفضل..
ومما يسهل الأمر على الدكتور الذي غدا »فريقاً«، الآن، وسيغدو رئيساً بعد أيام، أن مختلف المؤسسات، الحزبية والمدنية والعسكرية، قد انتخبته من قبل أن ينتخب رسميا، وأن السوريين قد أجمعوا تقريبا على اختياره والالتفاف من حوله،
لكن التحدي يظل مفتوحا، وسيتبدى بحجمه الحقيقي مع أول يوم له في سدة السلطة.
أعان الله بشار الأسد، ووفقه في مواجهة هذا التحدي: أن يواجه حافظ الأسد وأن يحمي رصيده الهائل، بل أن يضيف إليه.
فسوريا التي أعطت حافظ الأسد ما أعطته وأعطت بشاراً من رصيد أبيه، تستحق مثل هذا النجاح.
والنجاح في سوريا يتأكد في لبنان وبه.

Exit mobile version