انه انتصار حاسم. طلاب الجامعات هزموا قلاع الاحزاب السياسية كافة. هذا دليل على بدء المعركة الحقيقية مع النظام وبنيته المنتشرة في جسد الدولة. الطائفية، نظام عريق. عمره مئة عام. تم تكريسه وتقديسه برغم سفالته وفجوره وآثامه. ألد اعداء الطائفية هم العلمانيون، فلا شيء يثير الطوائفيات المتحدة مثل العلمانية. عمر لبنان 100 عام، كرسها لمنع العلمانية من تحقيق أي انجاز. تقدم العلمانية تراجع للطائفية.
قبل أن نتفاءل كثيراً لا بد من القول: “اننا في أولى المعارك”. النظام حريص جداً على استمراره، ولو اقتضى استعمال القوة واللجوء إلى العنف. فلنستعد إذا للمواجهة.
حاول كثيرون التمسك بالعلمانية، لكن الطائفيين، كل الطائفيين، موارنة وسنة وشيعة ودروز وباقي المذاهب، التفت على عنق كل وليد علماني وخنقته. المعركة التي كسبها الطلاب في جامعاتهم هي الخطوة الأولى، لذلك سيمنعون الخطوات التالية.
لا بد، برغم المخاوف، من تهنئة هذه الطليعة العلمانية، المؤمنة بالدولة الديمقراطية الحقة، بالنظام العلماني الناجح، بالمؤسسات السياسية والادارية النابذة لآلية المحاصصة، هذه المحاصصة التي هي اوكسجين الطائفية. الطائفية والمحاصصة واحد. الفساد دين النظام الطائفي.. نكرر التهنئة من القلب. أن ضوءاً قد ولد، يلزم أن نحرسه ونصونه من كل الجهات. وهذا الانتصار دعوة للعلمانيين الذين لم ينتظموا بعد في مؤسسات او روابط او جبهات او ميادين، أن يبدأوا مسيرة الاميال الباقية، بالإطاحة بأعتى واقوى نظام في هذه الصحراء العربية التي لم تعرف انتصاراً واحداً، في أي ميدان.
هل يعني أن النظام الطائفي سيستسلم؟ ابداً. سيلجأ إلى كل الوسائل الرخيصة والقذرة والمتخلفة. لقطع الطريق على من يستعد لخوص المعارك الناصعة، بين العلمانية، مستقبل لبنان، وبين الطائفية، مقبرة لبنان.
حدث أن شرَعت سياسة الانتداب قوانين الاحوال الشخصية على اساس الملة والطائفة والمذهب. ولكنها، تركت لغير الطائفيين، اصحاب الحق المدني العلماني، خانة، ليمارسوا ما يتفق ومعتقدهم العلماني. حصل ذلك. لكن الدولة، بحكوماتها كلها، رفضت أن تلتزم بما نص عليه القرار 60 ل.ر. لقد فوَت النظام، بذكاء انتهازي، فرصة الحرية للعلمانيين. الطائفيون لا يخشون كثيراً من بعضهم، بسبب تشابههم. خلافاتهم محصورة بمسألتين: داخلية: المحاصصة، وخارجية: الولاء لمحور او دولة او اقليم.
حصل أن تقدم المحامي سامي الشقيفي بدعوى لشطب الاشارة إلى الطائفة في سجل النفوس وفي هويته. انعقدت المحكمة. اصدرت حكما لصالحه ولصالح علمانيته. استأنف المدعي العام، على أمل بعقد جلسة استئناف. ومنذ العام 1968 حتى اليوم لم تُعقد. مات المحامي سامي الشقيفي ولم ينل حقه. لعنة الله على نظام هش وعاتٍ، يخشى من الاعتراف بحق علمانية فرد من افراد المجتمع.
جرت محاولة أخرى، قادها طلال الحسيني. حملة مستندة إلى حيثيات قانونية، دستورية لشطب الاشارة عن سجل النفوس. حصلنا على حق ومنع علينا. وزير وافق ووزير رفض. الرفض سائد حتى الآن. والله، هذا نظام يرى إلى بعيد، لأن مجرد قبوله بعلماني واحد، وبتشريع لذلك، يعني أن الطريق العلماني بات ميسوراً للأكثرية. شعب لبنان استعبدوه، كلياً، من خلال القيد الطائفي. وقبل ذلك كان دور الزواج المدني الاختياري. وافق على ذلك مجلس الوزراء. لكن القرار دفن في الجوارير، لأن المرجعيات المذهبية هددت بحرق لبنان إذا تم تمرير هذا المشروع. كنت اظن أن الرئيس رفيق الحريري قد بادر إلى ذلك. لكن الرئيس الياس الهراوي بدد لي هذا الظن. قال لي بالفم الملآن: “يا ابن منطقتي، ما تصدقهم. الذي انزل السنة إلى الشارع، كان الهاتف السعودي”. الا ترون أن للطائفية احلافاً اقليمية!
ماذا غداً؟
غداً، مدى زمني ممتد ومديد. المشكلة ليست في الزمن المديد. المشكلة في كيفية تحويل المعركة الطلابية الواعية، إلى معارك كافة القطاعات المتحررة من الزبائنية او الثائرة عليها.
لن يكون العلمانيون ايتاماً. نتوقع معارك متتالية. الاحزاب الطائفية ستتحصن بالمحاصصة، كما كانت الحال، وكما هي الآن، وسيستمرون في ذلك ولو انتحر لبنان ، عفواً، حتى ولو نحروه.
الهيئات المدنية والعلمانية مدعوة إلى أن تشكل البديل. والطريق مرسوم: نص اتفاق الطائف على خريطة طريق: انشاء الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية، اقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، وانشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية.
هذا يعني، علمنة الدولة. وهذه العلمنة تكون حاضنة للطوائف للحفاظ على التعدد الديني والثقافي. بشرط عدم تلازمها والسياسي.
أيها العلمانيون في الجامعات اللبنانية، شكراً لكم. قولوا للآخرين الطريق مفتوح لهزيمة الطائفية في كل مواقعها.
إلى اللقاء في كل الميادين.