مرة أخرى، علينا في لبنان أن نقلق ونحن نتابع بانتباه شديد ما يدبّر لمنطقتنا، سواء في جوارنا الأقرب، فلسطين، أو في جوارنا القريب، العراق.
لقد استطاع الاحتلال، إسرائيلياً في فلسطين، وأميركياً في العراق، أن يستغل التناقضات الداخلية والصراع على النفوذ بين القوى المحلية، من أجل محاولة زج الشعب في كلا البلدين في حرب أهلية لا تبقي كياناً سياسياً قائماً فكيف بأن تسمح بانتزاع كيان لدولة غير موجودة إلا في أحلام أهلها، وكيف بأن تمنح الإذن بقيام سلطة وطنية مؤهلة وقادرة على الإنجاز؟
ففي غياب الوفاق الوطني والالتزام بالبديهيات التي هي شروط لقيام الكيان السياسي، يتحوّل الخلاف إلى افتراق سرعان ما يسعى كل طرف إلى تبريره بتعميق أسبابه وإضفاء طابع (إيديولوجي) أو (تكويني) مزوّر حول طبيعته، إن نفعت الجهوية كانت الجهوية، وإن كانت العنصرية اعتمدت العنصرية، فإن تعذر استخدام هذه أو تلك تمّ اللجوء إلى السلاح الذي لا يفل: الطائفية والمذهبية بالاستطراد.
والأجنبي جاهز لتعميق أي خلاف في اتجاه أن يغدو افتراقاً وللمساعدة على تأجيج الفتنة بالتحريض المباشر أو غير المباشر، وبالدعم المعنوي أو المادي ليضمن إضعاف الجميع بحيث يتعذر الحل إلا باللجوء إليه وتركه ليقرّر إعادة تكوين السلطة بما يحقق »القرار الوطني المستقل«، تحت وصايته، مخفية في الماضي، ومعلنة جهاراً نهاراً هذه الأيام!
إن الصراع على السلطة في مجتمع مهدد بالانقسام، سيدفع بأطراف الصراع إلى البحث عن حلفاء أقوياء… في البدء يكون »الداخل« هو منبع التحالفات، لكن في فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي والعراق تحت الاحتلال الأميركي تسقط الحدود بين »الداخل« و»الحليف الخارجي«، فكيف في »بلد بلا داخل« مثل لبنان؟
وفي ظل الصراع على السلطة في مجتمع منقسم يستحيل الحسم بانتصار طرف على آخر… فكيف إذا كانت الانقسامات من طبيعة طائفية أو مذهبية، وكيف إذا بات »المجتمع الدولي« هو الحل.. علماً بأن »للمجتمع الدولي«، حالياً، إدارة واحدة يتزعمها ذلك الذي يحادث الله يومياً ويكاد يدعي النطق باسمه؟
وكيف إذا كان لمحادث الإله مندوب سام ملتزم بأصول الدبلوماسية مثل سعادة السفير فيلتمان، الذي يوجّه اللبنانيين يومياً في اتجاه أقصر الطرق إلى الفتنة؟