لا جدال في أن هذا المؤتمر الاستثنائي للحوار بين اللبنانيين تحت الرعاية الفرنسية في ضاحية باريس، هو شهادة على التخلي العربي أكثر منه شهادة نجاح لدبلوماسية العهد الجديد ، خَلَف جاك شيراك، في قصر الإليزيه.
وأول ضحايا هذا النجاح الفرنسي (المباغت؟) هي جامعة الدول العربية بشخص أمينها العام عمرو موسى الذي بات يعرف، إضافة إلى قيادات الصف الأول في لبنان، الحرس والمرافقين الشخصيين للموفدين والرسل والكتبة الذين تناوبوا على إبلاغه المواقف المتناقضة للأطراف جميعاً في كل فترة فاصلة بين لقاءين..
فالواقع أن قيادات الدول العربية المعنية قد امتنعت، وبوعي وقصد مقصود، عن مساندة هذا الدبلوماسي العريق والذي يعرف أكثر مما يجب.
… ولا تنفع في التغطية على الامتناع تلك التصريحات البلا معنى التي طوّقته بالدعوات الصالحات وتمني النجاح له في مهمته المستحيلة (بأفضالها)، في حين كانت مواقفها العملية تضع مزيداً من الحطب (والذهب) في موقد الأزمة المفتوح على رياح الأرض جميعاً.
يقول حَمَلة مفاتيح السر: فتّش عن واشنطن؟!
وبالتأكيد فإن العهد الجديد في فرنسا أكثر قرباً من الإدارة الأميركية من سلفه الشيراكي… لكن تحالفه الثابت والوطيد مع واشنطن لم يلغ هامش حركته فضلاً عن أنه لم يعطلها كلية. بل لعل باريس قد نجحت في إقناع واشنطن بأن نجاح دبلوماسيتها سيصب في النهاية في رصيد الغرب عموماً، بالقيادة الأميركية شبه المطلقة.
وهذا، بالتحديد، ما عجزت عنه القيادات العربية التي تعتبر نفسها في مرتبة الحليف الرقم واحد للإدارة الأميركية، من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، بشهادة حرب الاحتلال الأميركي على العراق.
إن نجاح العهد الجديد في فرنسا، برئيسه صاحب التصريحات العدائية تجاه قوى أساسية في لبنان ( حزب الله )، ووزير خارجيته الذي خان اشتراكيته مع صياح الديك إيذاناً بشروق شمس ساركوزي، والذي يعرف لبنان كله وجنوبه بالذات، انطلاقاً من خيام كامل مهنا ، والذي يناضل من أجل حق إسرائيل في الأمن .
… إن هذا النجاح الفرنسي الصاعق في سرعته وفي قدرته على تكييف مواقف قيادة العهد الجديد ، هو شهادة مدوية على فشل الدول العربية، وبالتحديد منها تلك التي تبرعت بلعب دور الوسيط النزيه ثم تخلت عنه عند أول إشكال ، أو عندما لحظت انزعاجاً أميركياً من احتمال صياغة حل معقول ومقبول للأزمة في لبنان… لأن لهذه الأزمة الخانقة التي تكاد تقضي على شعب لبنان ودولته المتهالكة، وظيفة في الاستراتيجية الأميركية (الإسرائيلية) لهذه المنطقة النازفة دمها وشبابها ومستقبلها.
كانت واشنطن، كما تعلن إدارتها كل يوم، وكما شرح سفيرها في بيروت بالتفصيل الممل، تريد مواصلة الاندفاع في استثمار الأزمة في لبنان إلى أقصى حد ممكن، طلباً لنتائج تصلح ذخيرة حية في حربها ضد سوريا، أساساً، ومن ثم ضد إيران، ولأسباب تتجاوز لبنان واللبنانيين، بل هي في حقيقة الأمر ضد لبنان واللبنانيين.
والمسؤولية في نجاح باريس حيث فرض الفشل على عمرو موسى تقع على أولئك الذين غفروا لإسرائيل حربها على لبنان، قبل عام، فاندفعوا إليها بمبادرة سلام لم تكفّ يوماً عن رفضها، ثم أوفدوا إليها فضائياتها يحاورون عبرها بطل الحرب الإسرائيلية على لبنان إيهود أولمرت… تقديراً وتعزيزاً وتثبيتاً لإيمانه بالسلام!!
وفرق كبير بين السلام مع إسرائيل و السلام في لبنان ، فهما خطان متوازيان لا يلتقيان، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!
ويا أيها الصديق الكبير عمرو موسى: حقك عليهم، وليس علينا!