طلال سلمان

فلسطين لبنان وبالعكس سلطة كمقتل مقاومة

لفترة طويلة من الزمن اتخذ شباب لبنان من المقاومة الفلسطينية قدوة له: تسمى بأسماء حركية فيها الكثير من التكريم لشهدائها ولقياداتها. أفرد الكوفية على كتفيه، وأخذ يستخدم لغتها في التخاطب، مع لكنة فلسطينية.
بل ان بعض شباب لبنان ممن خاب أملهم في تجارب الأحزاب القومية والتقدمية على السواء، وحتى في قيادة جمال عبد الناصر الذي كان في مرتبة الزعيم الملهم و قائد الأمة و بطل الثورة العربية ، قد انخرطوا في المقاومة أو تطوعوا للعمل معها ولها، دعاة ومبشرين و سفراء متجولين أو مقاتلين في صفوفها.
وبرغم كل المحن وكل الاخطاء والانهيارات ووجوه الفساد التي ضربت المقاومة الفلسطينية في الفترة الأخيرة من وجودها في لبنان، فقد ظل شباب لبنان قادرين على التمييز بين قداسة الهدف ومساوئ السلوك أو الانحرافات الفردية التي جرى تعميمها كأنما بقرار.
اليوم وبعد تقدم شباب لبنان، عبر مقاومتهم، إلى موقع المثل والقدوة، فإنهم ينظرون إلى ما يجري في فلسطين بحرقة تتجاوز الوجع إلى الحزن العميق.
انهم يخافون الآن على فلسطين وفتيتها الميامين الذين يكاد يعميهم الصراع على سلطة هشة وتافهة ومكبلة بالقيود، مفلسة وعاجزة ليس عن التحرير فحسب، بل حتى عن حماية وحدتها، ومستضعفة بحيث لا تستطيع تخطي الشروط الإسرائيلية، فكيف وقد اجتمعت عليها القيود العربية والمطالب الأميركية.
انهم يخافون على فلسطين، ويخافون من هذه التجربة الفلسطينية البائسة التي تشكل تشويهاً للمثل العليا وتحقيراً للشعارات التي رواها المقاومون بدمائهم، وإهانة للنضال الفلسطيني المجيد الذي كان على امتداد سبعين عاماً أو يزيد ملهم شبيبة العرب ودليلهم إلى حقوقهم في أوطانهم.
ولعل أكبر مؤامرة على النصر بالصمود الذي حققته المقاومة في لبنان تتمثل في نجاح هذا الحلف الأميركي الإسرائيلي العربي في دفع من كانوا في صفوف النضال الفلسطيني إلى الاقتتال داخل أتون الجوع وضياع الهدف وضياع المزيد من الأرض (وسعت إسرائيل خلال فترة العراك الداخلي الفلسطيني 31 مستعمرة باقتطاع المزيد من الأرض الفلسطينية).
ولعل الطبقة السياسية في لبنان تفرك يديها فرحاً الآن بما يجري في فلسطين ولها، مفترضة ان الدور سيكون بعدها على لبنان برغم معرفتها باختلاف الظروف والقدرات والقيم والأهداف بين مقاومي الأمس في فلسطين المصطرعين الآن على السلطة (ولا وطن) وبين المقاومة في لبنان المحصنة ضد الفساد، خارج السلطة، والتي لا تشكل لها السلطة، حتى هذه اللحظة، اغراء يغويها فيحرفها عن أهدافها وأولها داخلياً وطن بدولة عادلة وقادرة وقوية … وهو هدف عزيز دونه خرق القتاد، لبنانياً بتحريض عربي، وأميركياً بغير تحريض!

Exit mobile version