طلال سلمان

فليكن شارع لفلسطين

اليأس أقسى من المذبحة، وصرخات الاستنجاد الفلسطيني التي يبتلع صداها صحارى العجز تغري الوحش الإسرائيلي بأن يستمتع فيتفنن في تجريب أنواع القتل الجماعي قصفاً بصواريخ طائراته الأميركية أو قصفاً بالمدافع أو نسفاً انتقامياً بقذائف دبابات الميركافا لعله يعيد إليها اعتبارها المسفوح فوق هضاب الجنوب في لبنان أو في سهل الخيام.
وليست بيت حانون إلا مذبحة جديدة. ليست هي المذبحة الأولى التي يرتكبها الوحش الإسرائيلي ضد أطفال الفلسطينيين ونسائهم والرجال.. وهي بالتأكيد لن تكون الأخيرة.
حتى من قبل إقامة إسرائيل كدولة على أرض فلسطين، بل ومن أجل إقامتها، ثم من أجل إدامتها، ثم من أجل حمايتها وتوطيد أمنها والمذابح بين شروط النجاح في هذه المهمة… الممهدة للسلام العربي!
صار لمذابح الفلسطينيين فوق أرضهم ومن أجل حقهم فيها أرقام متسلسلة يحفظونها عن ظهر قلب كأعياد ميلاد أطفالهم ويعطونها بديلاً من الأرقام لسنوات القتل المفتوح: قبية، دير ياسين، كفرقاسم (التي يحتفل هذه الأيام بذكراها الخمسين).. والحبل على الجرار!
فإسرائيل وحش يعيش على دم ضحاياه وبدمائهم يحصّن دولته لتكون الأمنع.
ولعل بين ما يغري إسرائيل بالقتل، والمزيد من القتل أنها كلما أنجزت مذبحة جديدة في فلسطين (أو في لبنان، وقديماً في مصر وسوريا والأردن) صار صمت العجز العربي أعمق.. أما في هذه الساعة السوداء فإن المتبرعين بالمبادرات قد ابتلعوا ألسنتهم، والتفتوا إلى الناحية الأخرى ليتداركوا آثار الزلزال الذي قد يصبحون من ضحاياه: فها هي صديقتهم وحاميتهم الإدارة الأميركية تتهاوى، ديموقراطياً، وتقدم وزير دفاعها، بطل حرب الإبادة في العراق، كبش فداء عن رئيسها الذي يكاد يتقدم على قادة إسرائيل كمجرم حرب.
بيت حانون: 18 شهيداً وستون جريحاً. بينهم ثمانية أطفال وخمس نساء من عائلة واحدة. ولعبهم مرمية وقد قُطعت منها الرؤوس. حتى لعب الأطفال تصلح أهدافاً للقتل.
? ? ?
دلالات المذبحة الجديدة لبنانية بقدر ما هي فلسطينية… ليس فقط لأن لبيت حانون شقيقات في قانا الثانية، وفي صريفا، وفي بريتال، وفي الجمالية، وفي الشياح إلخ..
وليس لأن إسرائيل هي إسرائيل هنا وهناك، ينعشها فيشجعها ويدفعها إلى الإيغال في دمائنا مناخ الفرقة واختلاف الإخوة، ويوسع هامش حريتها في ارتكاب المذابح، ولا خوف من عقاب أو تأنيب أو لوم أو حتى عتاب.
لكأننا كلما ولغت المزيد من دمائنا ازددنا تباعداً ووسعنا أمامها الطريق إلى أهدافها اللاغية لمستقبلنا.
ومن المفارقات المفجعة أن الجولة الجديدة من حربها المفتوحة على الفلسطينيين تجري في ظل افتراق وصل إلى حد التصادم بين أهل السلطة التي لا تملك من أمرها شيئاً… فكادت الحكومة تصير أغلى من الشهداء، وأخذ الصراع أهل السلطة جميعاً إلى الغلط حتى حدود المحرمات.
ومن المفارقات المفجعة أن حربها التي لما تتوقف على لبنان قد دفعت القوى المختلفة بعد ائتلاف، والمفترقة بعد تضامن وطني تمكن المفاخرة به، إلى صراع مفتوح على السلطة بينما البلاد المفلسة غارقة في ديونها الثقيلة وشعبها المفزوع من الغد يهشل في الاتجاهات جميعاً باحثاً عن أمنه ورغيفه وسلامة عائلته… حاملاً معه اعتزازه بانتصاره بالمقاومة على الوحش الإسرائيلي الذي جرّب في لبنان واللبنانيين أسلحته كافة فمُنِيَ بالخيبة وانسحب مجرجراً أذيال هزيمته.
هل توقظ فينا المذبحة الإسرائيلية الجديدة في بيت حانون وطنيتنا الجامعة؟!
هل تنبهنا إلى أن الدول لا تبني لنا وحدتنا، ولا تضمن لنا دولتنا إذا كنا منقسمين حول السلطة فيها، ونكاد نقامر بمصيرها، نكاية ببعضنا البعض، أو انتقاماً متأخراً، أو بمنطق الهجوم الاستباقي؟!
إن الأطراف المتعارضة في مواقفها، والتي تتبادل التهديد بالنزول إلى الشارع، قد تختلف على كثير من الأمور، ولكنها تتفق على إسرائيل كعدو، خصوصاً أن جراح اللبنانيين ما تزال تنزف، وكذلك اقتصاد هذا الوطن الصغير والجميل..
هل يسمع أحد إذا ما أطلقت الدعوة إلى نزول الجميع إلى الشارع ليس ليواجه بعضهم بعضاً بل ليتلاقوا من حول إخوتهم في فلسطين، وفي وجه الوحش الإسرائيلي الذي حاول إرجاعهم عشرين عاماً إلى الوراء، وما زال يراهن على انقسامهم ليغطي به هزيمته اللبنانية ، التي باتت مصدراً جديداً للأمل في فلسطين؟!

Exit mobile version