طلال سلمان

فيلتمان كوشنير قبة فولاذية تنظيم فتنة في لبنان عراق

تطرح سلسلة الزيارات المفاجئة لموفدين مؤثرين من دول كبرى إلى بيروت، خلال الأيام القليلة الماضية، وما أعقبها من تحركات ولقاءات ومؤتمرات طارئة وبيانات تشابه تلك التي أخذت اللبنانيين إلى الافتراق بعد الجريمة التي استهدفتهم جميعاً عبر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، علامات استفهام جدية حول ما يدبّر لهذا الوطن الصغير وشعبه، وحول ما إذا كانت «الدول» وبالقيادة الأميركية دائماً تريد ـ ولأغراض تخصها ـ إعادة لبنان إلى الحلقة الدموية عبر فتنة مدبرة؟!
إن هذه الزيارات المباغتة، وما نتج عنها، تطرح تساؤلات جدية منها:
÷ مَن أوقف، فجأة، وبقصد مقصود، مسيرة الخروج من نفق الاتهام السياسي المقصود في الجريمة، عبر التصريح «التاريخي» الشهير لنجل الرئيس الشهيد ـ ولي الدم، سعد، بتبرئة سوريا والاعتراف بدور تخريبي مضلل لشهود الزور في التحقيق، والذي اعتبره كثيرون البداية الفعلية للرئيس الشاب كرجل دولة ومشروع قائد سياسي مسؤول ومعني بوحدة الوطن الصغير وشعبه الذي كثيراً ما استخدمته «الدول» ولأغراض تخصها، في منطقتنا، حقل تجارب دموية وبالذخيرة الحية؟!
÷ لماذا هبط علينا فجأة، ذات مساء، الخبير الأميركي المحلّف في الشؤون اللبنانية، وأخطرها جريمة الاغتيال، 2005، ومن ثم الحرب الإسرائيلية منتصف عام 2006، والمهندس السياسي لتكتل 14 آذار بشعاراته الصاعقة، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السفير السابق في لبنان جيفري فيلتمان؟
ماذا كانت «الرسالة» العاجلة التي جاء بها إلى بيروت، بعد زيارة خاطفة ومهمة إلى الرياض، التقى خلالها سعد الحريري هناك، في حين أنه هنا فرض على رئيس الجمهورية قطع إجازته الأسبوعية ليستقبله في منزله الشخصي في عمشيت، قبل أن يغادر ليلاً ـ وبعد اتصالات هاتفية مع بعض أركان 14 آذار ـ إلى العاصمة الفرنسية التي يتواصل التنسيق معها منذ ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وما قبل ولادة القرار الدولي 1559 كرصاصة أولى في حرب التدخل الدولي في لبنان، ضد الوجود السوري، وضد المقاومة التي كانت قد حققت الإنجاز التاريخي بإجلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عن أرضه في أيار 2000 وبعد احتلال استطال لاثنتين وعشرين سنة دموية؟!
÷ ولماذا جاء من بعده وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير، الذي عرفه اللبنانيون، أول مرة، من خلال دوره الإنساني في منظمة «أطباء بلا حدود» في «النبعة» والمخيمات الفلسطينية (1976)، قبل أن يؤسس «أطباء العالم» ويأتي مرة ثانية إلى بيروت في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي (1982)، ثم في أعقاب «حربي التحرير والإلغاء» (1989) ليقدم خدمة عظمى بنقل حوالى ألف جريح للعلاج في مستشفيات فرنسا، وكان قد غدا وزيراً للشؤون الإنسانية.
… على أن برنار كوشنير جاء، هذه المرة، في دور مختلف، حاول أن يقدمه عبر صورة «الإطفائي» والباحث عن حلول، والمقترح ـ أو المتبني ـ لمقترح وصفه بأنه «عربي» وخلاصته الدعوة لعقد اتفاق جديد بين اللبنانيين يستكمل اتفاق الطائف… لكن حركته ولقاءاته وكذلك تصريحاته المرتجلة لم تكن مطمئنة، خصوصاً أنه قد حاول التهوين من خطورة اتهام «عناصر غير منضبطة» من «حزب الله» بجريمة الاغتيال في القرار الاتهامي (الذي يبدو أنه يعرف مضمونه)، عبر التأكيد على نزاهة التحقيق الدولي ومن ثم المحكمة الدولية التي شكلت من فوق رؤوس اللبنانيين، ثم استدرجت الحكومة آنذاك لطلبها وتحمّل نصف تكاليفها (49 مليون دولار..).
فخلاصة الكلام الذي سمعه المسؤولون اللبنانيون من وزير الخارجية الفرنسية الذي يستعد لمغادرة موقعه قريباً، كانت تتقاطع مع البيانات واللقاءات التي استنجدت مرة أخرى ببكركي لتؤكد جدية العودة إلى الساحة، كما كانت تتكامل مع الدور الذي جاء بفيلتمان إلى بيروت، على عجل، ليستنفر «القوى الصديقة» استعداداً لمواجهة محتملة على قاعدة القرار الاتهامي الذي يفقد قيمة توظيفه إذا ما خلا من اتهام «حزب الله» كأكبر حزب سياسي وأوسع تيار جماهيري في لبنان والمنطقة عموماً، ناهيك عن كونه «بطل الأمة» من خلال دوره المجيد في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والصمود للحرب الإسرائيلية.
[ [ [
هل تمّ تجديد الحملة الدولية لإعادة لبنان إلى دوامة الفتنة؟!
المؤكد أن اللبنانيين يعيشون حالة افتراق بعضهم عن البعض الآخر، تتصاعد لهجة المستفيدين منها أحياناً، بالاستناد إلى ما يسمعونه من «الدول»، فتكاد تدفعهم إلى الاشتباك وتعميق الشرخ الذي ضرب وحدتهم منذ ستة وخمسين شهراً، ووسّع المساحة «للدول» كي تصبح «الوسيط» أو «المصالح» أو «المحرّض» وفي كل الحالات «المستفيد» من انقسامهم.
وهكذا اندفعت أطراف موتورة أو مستفيدة إلى توجيه الاتهام بغير دليل وبغير وجه حق، والأخطر: بتهور يسرع الاشتباك أو يقيم السدود بين الأهل، مما يقدم صك البراءة مجاناً لعدو الشعب والوطن والأمة، إسرائيل، ويمكنها من أن تظهر بين طلاب العدالة والحريصين على السلم الأهلي وتخليص لبنان من «الإرهابيين»!
بالمقابل فإن أطرافاً أخرى يتساءلون: أين العدالة، وأين مَن ينصف رفيق الحريري شهيداً لوطنه في محكمة المتحكّم الفعلي بها «أميركي» والمدعي العام الفعلي «إسرائيلي» وشاهد الزور الأول «فرنسي» والمباشر هو الموظف الأممي السامي بان كي مون؟!
لقد صار الدم استثماراً سياسياً من الدرجة الأولى… وصارت مهمة «الدول» أن تبقيه على الأرض أطول فترة ممكنة لتوظيفه في تشويه سمعة خصوم هيمنتها والتشهير بالمجاهدين المحرِّرين أرضهم بدمائهم، لتستقر لهم ـ في الأذهان ـ صورة «القتلة» فيتم الانقلاب… بهدوء تحرسه «الدول» جميعاً، وفي الطليعة إسرائيل، التي قدمت، بالأمس، وعلى لسان الأعظم تطرفاً في قيادتها، رشوة تافهة تتمثل في «الوعد» بالانسحاب من «الجزء الشمالي» من دسكرة «الغجر» وهي ـ بأصلها ـ بعض الجولان السوري المحتل!
[ [ [
على هذا كان لا بد من إضفاء مسحة مذهبية على الجريمة، عبر الإفادة من المناخ الذي ينشره الاحتلال الأميركي للعراق والذي حاول تحصين جنوده ببث الفتنة بين العراقيين، بما يكفل ليس فقط تشويه تاريخ النضال الوطني لذلك الشعب العربي العظيم بل أساساً إشغال العراقيين بأنفسهم وبأزمتهم السياسية التي يعقدها الصراع بين إرادات دولية متناقضة، أولها الأميركي وثانيها الإيراني، بينما يسعى بعض القادة العرب إلى «استخلاص» مقترحات حلول مقبولة من قلب الصراع المفتوح، فيحرّض الاحتلال أبرز مَن جاءت بهم دباباته إلى السلطة لإفشال الحل، تمهيداً لتعميم الفتنة بما يحمي مصالحه وعنوانها الدائم: «الدولة اليهودية الديموقراطية» التي يُراد منها مسح فلسطين من الجغرافيا ومن الذاكرة، لحساب إسرائيل.
ومن اللافت أن يكون مَن بيدهم الحل والربط في العراق قد أفشلوا محاولة سورية ـ سعودية مشتركة، ثم أسقطوا مبادرة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز فور إعلانها وقبل التدقيق فيها، ليفتحوا الباب وسيعاً أمام مبادرة كردية يتولاها مسعود البرازاني الذي «استقل» بإقليمه، ومن «موقعه الرئاسي» يتقدم لاستنقاذ إخوانه العرب من خطر الفتنة، من دون أن ينسى استتباعه كركوك وما أحاط بها من منابع النفط إلى «دولته» التي لا ينقصها إلا… قبولها عضواً في الأمم المتحدة!

وعلى هامش الكارثة العربية في العراق قام مجرمون محترفون لهم من يوجههم سياسياً بارتكاب مجزرة ضد كنيسة سيدة النجاة في الكرادة ببغداد، ليغطوا بدماء الأبرياء مشروعاً مشبوهاً لا يخدم إلا الاحتلال والساعين إلى مد الفتنة لتشمل الأرض العربية جميعاً… خصوصاً أن استهداف الأقلية المسيحية في العراق يحرف الأنظار بعيداً عن المذبحة اليومية المفتوحة لأغراض سياسية، والتي تنسف فيها أحياء ومقدسات «سنية»، ثم تنسف أحياء ومقدسات «شيعية»، لكي يتيسر لكل من لا يريد عودة العراق إلى الحياة أن يحقق أغراضه بدماء العراقيين… وأن يمد نار الفتنة لتلامس الكويت والبحرين وصولاً إلى اليمن جنوباً، ثم تعود لتشعل لبنان بأهله في ظلال المحكمة الدولية التي يحاولون إكسابها ـ أكثر فأكثر ـ بُعداً مذهبياً،
يبقى ضرورياً الإشارة إلى خبر لافت، خلاصته:
أن وفداً عسكرياً أميركياً يضم أربعة ضباط أميركيين زار، بالأمس، جنوب لبنان «ليعاين موقع الاشتباك في العديسة»، والذي صد خلاله الجيش اللبناني بالدم اعتداءً إسرائيلياً… وقد راقــب الوفد المنطقة مستـــعيناً بخرائط، والتقط صوراً لها، وللعسكريين اللبنانيين بهــدف التدقيق في نوع السلاح الذي استخـــدمه الجيش وهـــل كان أميركي الصنع أم «مشبوهاً»، حتى لا تضيع الحقيقة.
لكن هذا الوفد قال إنه غير معني بالطلعات اليومية لسلاح الجو الإسرائيلي فوق لبنان بعاصمته ومناطقه كافة، برغم أن الطائرات والذخائر «أميركية» بمعظمها إن لم تكن كلها.
كذلك فإن هذا الوفد لم يشرح للبنانيين الهدف من «القنابل الذكية» التي باشرت بلاده تزويد إسرائيل بها، والتي يفترض أن لبنان بشعبه وجيشه سيكون هدفها الأول.

Exit mobile version