موجع هو واقع الحال: لكأن التاريخ يعود بهذه الامة إلى الخلف، إلى ما قبل ثورات التحرر والتقدم بعنوان مصر ـ 23 يوليو / تموز 1952 ـ وقائدها العظيم جمال عبد الناصر، ثم ثورة العراق في 14 تموز 1958 ـ وبعد شهور قليلة من إقامة اول دولة للوحدة العربية في التاريخ من خلال اندماج مصر وسوريا في “الجمهورية العربية المتحدة في 22 شباط 1958.. ثم انتصار ثورة المليون شهيد في الجزائر في 20 ايلول 1962وانتخاب البطل العائد من سجون الاحتلال الاستيطاني الفرنسي مع رفاقه الاربعة لمدة خمس سنوات احمد بن بله الخ.. وهو الاستعمار الذي استطال لمدة 150 سنة وحاول فرنسة الجزائر بشعبها وارضها.
..ولسوف تتفجر في 24 ايلول 1962 ثورة في اليمن تطيح نظام الامامة وتعلن الجمهورية،
بعدها سيبدأ العد التنازلي فينتصر العدو الاسرائيلي عل مصر ومعها سوريا في حرب 5 حزيران 1967.. ثم ستتفجر الاوضاع في الاردن، فيطرد النظام الملكي فيه المقاومة الفلسطينية من أرض الامارة التي استولدها وعد بلفور 1917 كتمهيد لإقامة “دولة اسرائيل” في فلسطين وطرد شعبها منها في 15 ايار 1948.. ليبدأ عهد الثورات الذي لم يقيض له أن يعمر أكثر من ثلاثين عاماً.
ستتوالى الهزائم والانتكاسات: من “الانفصال” وسقوط اول دولة للوحدة العربية في التاريخ الحديث، 28 أيلول 1961، إلى وفاة جمال عبد الناصر 28 ايلول 1970، ولم تستطع “ثورة الفاتح” ـ اول ايلول 1969 ـ تعويض الخسائر، ولكنها أكدت إمكان الخروج من هذا النفق المظلم..
في بداية السبعينات انتقلت “الثورة الفلسطينية” بقيادة “فتح” ـ ياسر عرفات إلى لبنان، بعدما تدخل الرئيس عبد الناصر لعقد “اتفاق القاهرة” مع الدولة اللبنانية بحيث يمكن لهذه المقاومة أن تنطلق من الحدود اللبنانية في الجنوب للهجوم على المستعمرات الاسرائيلية في الجهة المقابلة..
ولسوف ينوء لبنان بالهجمات الاسرائيلية على جنوبه، ثم احتلال نصفه تقريبا في العام 1978، ولسوف تشتري مخابرات العدو بعض ضباط الجيش وتساعد على تشكيل “جيش رديف” يدافع عن جيش الاحتلال..
بعد ذلك سيباشر اعداد من المتطوعين في مطاردة جنود العدو.. ثم تظهر المقاومة الاسلامية (حزب الله) في الجنوب، وتخوض مواجها باسلة ضد الاحتلال..
ولسوف يتساقط الشهداء وهم يحققون الانتصارات الميدانية ضد جيش العدو، حتى تم الجلاء الكامل وهرب آخر جنود العدو فجر يوم النصر: 25 ايار 2000.
بعد ذلك وفي 12 تموز 2006 سيشن العدو الاسرائيلي حرباً طاحنة، براً وبحراً وجواً، ضد المقاومة واهلها، في مختلف انحاء لبنان.. ولسوف يصمد شعب لبنان خلف مقاومته طوال هذه الحرب. التي امتدت بين 12 تموز و13 آب 2006.. ولسوف تتدخل الادارة الاميركية، مساندة، وتوفد وزيرة الخارجية كونداليزا رايس إلى بيروت، ولسوف يفشل العرب في عقد قمة تضامن مع لبنان ويأتي بعض الوزراء إلى بيروت مداراة للفضيحة، وبعضهم بإذن اسرائيلي، قبل أن يصدر مجلس الامن القرار 1701 القاضي بانسحاب قوات العدو مقابل اخلاء الجنوب من سلاح المقاومة..
لكن المقاومة المنتصرة هي اليوم اقوى يخشاها العدو كما أقوى بكثير مما يخشى جيوش الانظمة التي صالحته او التي في الطريق إلى الصلح معه وبشروطه المذلة.