طلال سلمان

في رثاء الصحافة العربية بعنوان مصر..

عاش جيلي والصحافة المصرية هي المثال، خصوصاً وان معظم مؤسساتها الصحافية الكبرى من نتاج مجموعة من رواد الكتابة وأصحاب الأفكار المجددة بالنسبة للقرن الماضي.. ومعظمهم من “الشوام” والغالبية بينهم من اللبنانيين.

وهكذا فان جرجي زيدان هو مؤسس دار الهلال التي تصدر مجلة “المصور”، ومجلة “الكواكب” الفنية، اضافة إلى مجلة للأطفال، فضلاً عن كتاب “الهلال” الذي كان يصدر مرة في الشهر.. والتأريخ العربي ملخصاً بروايات جرجي زيدان.

أما جريدة “الأهرام” فقد أسسها بشارة وسليم تقلا منذ مائة وأربع وأربعين سنة، وقد تناوب على رئاسة تحريرها نخبة من الكتاب اللبنانيين، وفي أواخر الخمسينات جاء اليها الكاتب العظيم الراحل محمد حسنين هيكل الذي بدأ حياته مراسلاً حربياً في فلسطين إبان مرحلة الحرب الاسرائيلية على العرب مجتمعين، قبل أن يعمل كمراسل متجول لمطبوعة “اجبشان غازيت”، كما عمل مع الصحافي الكبير الراحل محمد التابعي في مجلة “آخر ساعة”، قبل أن يختاره الرئيس جمال عبد الناصر رئيساً لتحرير “الأهرام”.

ولقد اجتهد هيكل على إصدار “أهرام” جديدة، وعمل على استقطاب كبار الكتاب والشعراء والمحللين السياسيين فيها، وأفاد من علاقاته الواسعة مع العالم الخارجي لاستضافة مفكرين كبار وجنرالات متقاعدين من أبطال الحرب العالمية الثانية، كما عزز علاقات “الأهرام” بمختلف “الكبار” من مفكرين وكتاب في مختلف أرجاء الوطن العربي وكان محاوراً ممتازاً ومضيفاً سخياً.

وهكذا أضاف هيكل إلى “الأهرام” ملحقا اسبوعياً يصدر الجمعة من كل اسبوع وبين كتابه مفكرون مميزون أبرزهم الكبير توفيق الحكيم ولويس عوض والحسين فوزي والشاعر صلاح عبد الصبور في حين تولى الفنان القدير ـ الشاعر ـ ورسام الكاريكاتور المفرد صلاح جاهين تقديم لوحات نقدية بالكاريكاتور كما بالشعر أو الكتابة (أو حتى التمثيل) عن أحوال مصر وسائر الوطن العربي عموماً.

ولقد تراجعت “الاخبار” ومعها أسبوعيتها “أخبار اليوم”، بعد اعتقال مصطفى امين بتهمة التجسس “لصالح الاجنبي”،

أما جريدة “الجمهورية” فقد ولدت ميتة، ولم يستطع طه حسين العظيم ومن كلف معه بإطلاقها في أن تكون جريدة حقيقية.. وتهاوى عدد قرائها حتى بات وجوده كعدمه فأغلقت.

الآن، في مصر أكثر من مائة جريدة تصدر يوميا، بمعظمها، او اسبوعيا، ولكنها جميعا لا تستطيع مد عمر الصحافة وإعادة الألق إلى هذه المهنة التي كانت ـ بإصدار الناجح منها ـ داعية التغيير في مصر والوطن العربي جميعاً.

انه عصر الشفوي والاجهزة الخلوية التي تجيء اليك بالعالم مضغوطاً -ـ بأحداثه السياسية والامنية ومباذله الجنسية ومعلوماته الجامعة علوم الفضاء والتقنيات الحديثة في قبضة يدك الواحدة..

كما انه عصر الدولار والدينار نفطاً وغازاً، وصورة جورج واشنطن.. على الافكار، اما الغلاف فللنفوذ الصهيوني في عالم القرن الوحد والعشرين!

Exit mobile version