يعرف الرئيس رفيق الحريري، بالتأكيد، أن ما أُعلن للناس حول الموعد الضائع أو المضيَّع مع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، ليس مقنعا تماما، وأنه أثار أسئلة وتساؤلات عديدة، وأنه أعاد طرح بعض الشكوك التي كانت سحبت من التداول حول المسلك اللبناني الرسمي ازاء العرض الإسرائيلي المشروط للاعتراف بالقرار 425.
لا بد من تفسير أكثر وضوحا وأكثر إقناعا، وإلا بدا وكأن لبنان متردد، أو غير حاسم في موقفه، أو أنه أخطأ التقدير، ومن ثم التصرف في موضوع شديد الحساسية وفي لحظة شديدة الحراجة.
إن عذر »التضارب في المواعيد« بين الرجلين أكثر سذاجة من أن يقبله أي عاقل، فكلاهما مسؤول ومنظم ولديه من الارتباطات ما يفيض عن وقته،
ربما لهذا كله انفتح باب التأويلات، وبعضها سيئ وبعضها الآخر مسيء، خصوصا وقد صدرت في بيروت تصريحات وجهت نقدا صريحا الى مبدأ طلب الموعد مع أنان، مفترضة أنه لم يكن ثمة ما يستدعي طلبه أو تحديده في هذا الظرف بالذات.
والتساؤل عن توقيت اللقاء مشروع، فلماذا يسعى لبنان للاجتماع بأنان، عشية لقائه المحدد سلفا برئيس حكومة التطرف الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقبل أن يسمع منه رسميا، وبالتالي قبل أن يعرض الأمر على المرجع الرسمي بل المرجع الصالح بحيث يمكن القول ان المناورة الإسرائيلية باتت »مبادرة«، وان صاعق التفجير قد رفع وبات يمكن التعاطي مع العرض الاسرائيلي بجدية كقرار.
ثم ان رحلة نتنياهو الأميركية تتخذ طابعا »حربيا« مع الرئاسة الأميركية نفسها، وتكاد تشكل في تعاطيها مع المسألة الفلسطينية تحديا للعالم كله، فلماذا الافتراض انه بالمقابل سيكون بمثل هذا السخاء مع لبنان؟
وفي كل الحالات، وبرغم أن شرح الموقف اللبناني للعالم كله، وللأمين العام أنان بالذات، واجب وطني، وضرورة سياسية، فإن التوقيت أساسي، ولعل اختيار المكان لا يقل أهمية عن مضمون المقاربة.
ومع التمني بأن لا يكون »التضارب في المواعيد« قد خلق اشكالات كنا بغنى عنها، فانه من الافضل الآن ترك المسرح خالياً لنتنياهو (ولو لفترة) عله يذهب في تحدي الارادة الاميركية (والدولية) أبعد فأبعد، فينكشف تطرفه وتنفضح عنصريته أكثر فأكثر، من خلال استقوائه على الفلسطيني، الذي يعرض عليه في آخر المطاف ان يكون بيته قبره ولا وطن له او دولة.
وفي مثل هذه الحالة يصبح اسهل على لبنان تزكية موقفه بشهادة لا تدحض، وخصوصاً انها تحمل تواقيع جميع الذين اهانهم ويهينهم نتنياهو يومياً بدءاً ببيل كلينتون مروراً بجاك شيراك وصولا الى طوني بلير ووزير خارجيته روبن كوك وانتهاء بكوفي انان نفسه الذي ما زال العالم كله يتذكر كيف أحرج فأخرج من الكنيست الاسرائيلي.
ان نتنياهو »عدو العالم«، حتى وان اتخذ العداء طابع التحدي.
فلنأخذها فرصة لكسب مزيد من التأييد العالمي لقضيتنا.
ان بياناً واضحاً من الرئيس الحريري ضرورة للداخل، والداخل هو عصب الموقف الوطني وأخطر اسلحة المواجهة مع اسرائيل، في الامم المتحدة وخارجها.