لعظيم انشغالات القادة العرب، اصحاب جلالة وفخامة وسمو، وفداحة ما يتحملون من مشاق تفرضها مصلحة الامة، عربية واسلامية (وخليجية ضمناً)، لا فرق بين كبيرهم والصغير الا بحجم الثروة، غازا او نفطاً، فقد قرر “خادم الحرمين الشريفين”، أن يجمعهم في قمة ليوم واحد من اجل مناقشة المخاطر التي تتهدد سلامة الامة ودولها جميعاً..
.. وهكذا تقاطرت الوفود إلى مكة المكرمة، التي اختارها الملك سلمان، بدهائه المعروف، مقراً للقمم كما اختار موعدها في شهر رمضان المبارك، ليكون الجو ملائما للقرارات الخطيرة في ضوء المشروع المثير الذي يعمل لتحقيقه الرئيس الاميركي دونالد ترامب تحت عنوان “صفقة القرن”..
البعض، كما الملك عبدالله بن الحسين الهاشمي اختار أن يصل وقد ارتدى ثياب الاحرام سلفاً.. في حين تعذر على رئيس الجمهورية في لبنان العماد ميشال عون أن يشارك بنفسه (لان غير المسلمين لا يُسمح لهم بدخول مكة، لأسباب لا يمكن الافصاح عنها)..
هكذا كان على الملوك والرؤساء والامراء أن يناقشوا ثم يقرروا موقفهم من “صفقة القرن” خلال ساعات معدودة، بين الوصول والجلسة السرية والمغادرة الميمونة، قبيل انعقاد القمة الاهم والاخطر في البحرين، والتي سيطرح فيها ممثلو دونالد ترامب مشروعه الخطير، الذي يفترض أن يوفر الحماية، وبالتالي السلامة ـ لدول المنطقة في مواجهة تعاظم “الخطر الايراني”، لا سيما بعد الهجمات الصاروخية التي استهدفت ميناء الفجيرة، في دولة الامارات، والتي اتهم الحوثيون بإطلاقها “تنفيذاً لأوامر ايرانية..”.
ولان القادة العرب يفضلون الاجماع في اتخاذ القرارات المصيرية، فقد قرروا أن يحضروا ـ جميعاً ـ في مكة المكرمة، لوحدهم مرة، ومع زملائهم من قادة الدول الاسلامية مرة ثانية، ثم يفسحون في المجال امام زملائهم في الخليج بخلوة خاصة، ليكون الكل جاهزين لتقبل “صفقة القرن” التي تعني، كما فهم حتى هذه اللحظة، الشروع في تصفية القضية الفلسطينية، بحيث يشهد هذا القرن طي صفحة الصراع العربي ـ الاسرائيلي.. وربما لهذا أعلن رئيس السلطة التي لا سلطة له في فلسطين التغييب عن قمة المنامة، ليستطيع أن يقول، في ما بعد، “انا بريء من دم هذا الصديق..اللهم فاشهد”.
سوريا مغيبة، بطبيعة الحال، لانشغالها بالحرب فيها وعليها،
كذلك ليبيا الممزقة بين “حكومتين” في حين أن معظم ارضها “خارج السلطة”.
..لكن هذا لا يهم، فالأكثرية حاضرة وجاهزة، وكذلك المكافآت!
ولعل ما يساعد على نجاح هذه القمم الاستثنائية، في توقيتها وفي جدول اعمالها، كما في الحضور الكثيف للمدعوين، واساساً في اختيار مقرها، في مكة المكرمة التي انجبت خاتم الانبياء والرسل وصحابته من اهل الجهاد والبركة، أن الجميع ـ ربما مع قليل من الاستثناء ـ يدرك “مخاطر الغزو الايراني” لديار العرب والمسلمين..
كذلك فان انشغال دولة العدو الاسرائيلي بمشكلاتها الداخلية التي اطاحت حكومة بنيامين نتنياهو، وفرضت اجراء انتخابات جديدة لأعضاء الكنيست، يوفر قدرا من السكينة التي تحتاجها القمم العتيدة.
.. على أن العدو الاسرائيلي لم يغفل عن استثمار توقيت هذه القمم فنشرت اجهزة اعلامه، فجأة ومن دون سابق انذار اشرطة تسجيل لقواعد عسكرية تحت الارض لـ”حزب الله”، خارج “الخط الازرق” الذي يشكل حدوداً مؤقتة بين لبنان والكيان الاسرائيلي..
ويفترض الاسرائيليون أن هذا الكشف غير المسبوق عن قواعد لـ”حزب الله” داخل الارض المحتلة، يمكن أن يخدم “الاكثرية” النفطية من قادة العرب الذين يرغبون في الصلح مع العدو الاسرائيلي..
المسرح معد، اذن، بإتقان، وتوقيته ممتاز، لا سيما في اعقاب اتهام قصف “الحوثيين” من اهل اليمن بقصف بعض الاهداف الحساسة والمختارة بعناية ودقة، في اراضي المملكة وعند شواطئها.. فضلاً عن تحميلهم مسؤولية التفجير الذي وقع عند ساحل الفجيرة، على شاطئ الخليج العربي والذي اوحى بإمكان توسيع ساحة المواجهة إلى ما بعد بعد .. الرياض!
أما ما سوف يكون من احداث فقد يتعلق بمقررات القمم العربية والاسلامية والخليجية في مكة المكرمة، عشية انعقاد قمة المنامة لطرح “صفقة القرن” لمهندسها الذي لا ينام ويفرض على الآخرين أن يسهروا.. في انتظار تغريداته الصاعقة: دونالد ترامب!