لنترك وباء كورونا يكمل مسيرة الموت في أربع رياح الدنيا، ولنلتفت إلى أوضاعنا في دولنا التي تعيش اوضاعاً غير طبيعية، معظمها بحكم التكوين ولكننا ألفناها حتى نسينا من انشأها، قسراً، وقسَّمها ممالك وجمهوريات وامارات، متجاوزاً التاريخ والجغرافيا ومقومات الصمود.
ـ الملاحظة الأولى: أن كيانات دولنا مصنعة بمعظمها، وقد أقيمت لأغراض استعمارية بالدرجة الأولى، وان كان معظمها قد ارتبط بالتمهيد لخلق كياني سياسي “من خارج النص”، هو الكيان الاسرائيلي على حساب شعب فلسطين في وطنه، بل على هوية الوطن العربي وأهله وحق امته في مستقبل أفضل يصنعونه بالجهد والعرق والايمان بالأرض، ارضهم.
ـ الملاحظة الثانية: أن هذه “الدول” التي اقيمت فوق الخريطة الممزقة للوطن العربي، كانت اضعف من أن تحمي كياناتها المهمشة، ولذلك فقد ظلت “محميات” لمن استعمرها، واضطر اهل كل قطر الى بذل الجهد في تعلم لغة مستعمرهم.. فأتقن بعضهم الفرنسية، كما في لبنان، وهجر بعضهم “التركية” عائدين إلى لغتهم الام، كما في سوريا، والانكليزية كما في العراق، واللهجات البدوية كما في شبه الجزيرة العربية واليمن عائدين إلى لغتهم العربية الفصحى بعد أن استذكروا اصولها وقواعدها، وأنقذوها من التتريك والفرنجة.. وان اضطرهم النفط (والغاز في ما بعد) إلى تلقي الدروس، ولو على كبر، من أجل التحدث والكتابة بالإنكليزية.
ـ مع دخول الولايات المتحدة الاميركية إلى اقطار المشرق العربي، السعودية والخليج اساسا، بأفضال النفط، صار على اقوام البدو أن يتعلموا الانكليزية، وان يتحدثوا بعض الكلمات التي حفظوها منها والتي تلبي حاجتهم إلى التفاهم مع الاميركيين الذين وضعوا ايديهم على النفط ثم الغاز في شبه الجزيرة العربية كلها، السعودية اساسا ( سنة 1920) ثم العراق، مع شركة نفط العراق البريطانية (سنة 1921) وكانت للبريطانيين ومعهم الفرنسيين ثم استقل بها الانكليز قبل أن يؤممها عبد الكريم قاسم بعد ثورة 14 تموز 1958 في العراق وانهاء عصر الملكية (الهاشمية): فيصل الثاني ابن غازي الاول ابن فيصل الاول).
لم يعرف العرب “الدولة”، أقله بمفهومها الحديث، وان كان القرآن الكريم قد نص على أن يرتكز الحكم في ديارهم على “الشورى” (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، والزام الخليفة بأن يحصل على موافقة الناس عبر “البيعة.. والبيعة نوع من “الانتخاب” القائم على الرضا والقبول: “مد يدك لنبايعك على أن تحكمنا بما تركه الرسول فينا، وبحق القرآن الكريم”!.
كانت مصافحة يد “المرشح ” للخلافة تعبيراً عن مبايعته بأن يكون مرجعهم الديني (بعلمه او بالاستناد إلى مجموعة من الفقهاء المتخصصين بما يتضمنه القرآن والسيرة النبوية) من اسباب العلم بالطبابة وتشخيص الداء وصنع الدواء ـ وغالباً من الاعشاب والحليب وبعض انواع التراب التي وجدوا فيها ما يعالج ارتفاع الحرارة وبعض الامراض الخفيفة ، كالزكام والحصبة والربو.
تدريجياً اخذوا ينقلون عن مصادر غربية بعض الوصفات، كما افادوا من دراستهم العلوم عند الاغريق ثم عند الرومان، في تركيب بعض الادوية او تطوير الموجود منها ـ تمهيداً لابتداع اسباب أخرى للعلاج وانواع جديدة من الادوية ، بعدما درسوا اسباب أخرى للعلاج وانواعا جديدة من الادوية، بعدما درسوا اسباب الامراض وعلم الجراثيم ومفاعيل انتشارها في الجسد حتى تم لهم السيطرة عليها بما كشفته دراستهم لمكوناتها ومضاداتها ووقف انتشارها ، تمهيداً” لعلاج “الاصل”.. وربما لهذا السبب تم استخدام “العلة” بدلاً من “المرض” الشخصي، او “الوباء” الذي ينتشر بسرعة هائلة ويضرب الجماعات ويقتل المئات أو الآلاف ممن يصيبهم قبل أن يتيسر سبل العلاج.
ثم كان أن عرف العرب دراسة الطب، وقد قبسوا الكثير من المناهج واسباب العلاج وتركيب الادوية، او طوروا ما كان موجوداً او معروفاً، ولو بأولياته عند السابقين.
ربما لهذا كان الاطباء عند العرب من كبار العلماء، ولا سيما بينهم من يعرفون شيئا من اللغات الوافدة كاليونانية والايطالية، وان كان اهل اليونان الاسبق في دنيا العلوم، ولا سيما الطب.
وللحديث صلة.. ما دامت “الكورونا ” تفرق جمعنا وتمنعنا من التلاقي.
سلمتم جميعاً، لكي نهزم هذا الوباء الداهم.