ارتقت فضيحة العلاقات العربية ـ العربية إلى المستوى الدولي.. وها هي كواليس المبنى الازرق في نيويورك حيث تُعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة جلساتها السنوية بعد افتتاح دورتها الجديدة، تكاد تتحول إلى حلبة مصارعة بين “العرب العاربة” و”العرب المستعربة”، وداخل كل من “العربين”، فتتهاوى شرعية قضاياهم العادلة بعنوان فلسطين، او حرب الاخوة ـ الاعداء ضد شعب اليمن.. وينشغل العالم بخلافاتهم فيضحك منهم ويتركهم لمصيرهم، اذا هو لم ينصر بعضهم ضد البعض الآخر.
ـ عرب الخليج بعنوان السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة يخوضون حرب إبادة ضد شعب اليمن.. وهي حرب ظالمة، بل انها جريمة ضد الانسانية قبل أن تكون حرب الاشقاء الاغنياء (من غير جهد او ابداع) على شقيقهم اليمني الفقير بعنوان مزور، مع أن دماء الاطفال الذين حصدتهم الكوليرا والنساء والعجائز والرجال الذين سقطوا ضحية غارات الطيران الوحشية في مختلف انحاء “بلاد جيش الفتح الاسلامي”، تشهد انها “حرب استعمارية” تستهدف “احتلال” اليمن الذي لم تستطع الإمبراطوريات ذات التاريخ أن “تستعمره”.
ـ ثم أن عرب الخليج هؤلاء، وبعنوان السعودية والامارات، يحركون الفتنة في منطقة الاهواز في ايران، والتي كانوا قد نسوا “عربها” منذ حوالي القرن، وطوال حكم الشاهات.. وان كان صدام حسين قد حاول الاستثمار فيها عندما شن الحرب على إيران ـ ثورة الخميني وأدامها سبع سنوات عجاف. ولكنه نسي “الاهواز” حين اقرت ايران بالهزيمة وشرب الامام الخميني كأس سمها.. حتى الثمالة.
ـ أما في العراق فقد حاول بعض الخليج، بعنوان قطر، اثارة الفتنة بين السنة والشيعة، في حين اتخذت السعودية دور “الراعي”، لكن الشعور الوطني في العراق استطاع اجهاض الفتنة، وقبضت السلطة على بعض الذين اوفدوا لإثارتها بثياب “صيادين في رحلة قنص”..
ـ فأما في الحرب في سوريا وعليها فقد تنافس امراء السعودية وشيوخ الخليج على من يخرب اكثر من اسباب العمران، ومن يسلح المزيد من القتلة المأجورين من الخارج (شيشان، افغان، صوماليين، متطرفين توانسة ومصريين، اخوان مسلمين من مصر ومن بعض انحاء لبنان فضلاً عن “الاخوان” السوريين اضافة إلى بعض العناصر الذين من اصول تركية او مستتركين..)
وهكذا فقد تلاقى عرب النفط مع العدو الإسرائيلي ثم مع الادارة الاميركية التي اوفدت بعض قواتها إلى منطقة الجزيرة، دير الزور وملحقاتها، ومع فرنسا لتي لم تشأ أن تغيب عن المولد.. من دون أن ننسى الدور التركي البارز في الرعاية والتدريب والتسليح، ثم في ايفاد القوات لاحتلال نقاط استراتيجية معينة لتعطيل تقدم الجيش السوري في ارضه لتحريرها من العصابات المسلحة.
ـ أما لبنان، الذي يعيش ازمة حكم جدية، فقد ابتدع صيغة “النأي بالنفس” ومارسها بطريقة كاريكاتورية: هو “معترف” بالجمهورية العربية السورية وله سفير في دمشق ولها سفير في بيروت، وثمة وزير لشؤون الرئاسة يزور المسؤولين السوريين في مكاتبهم في دمشق، ووزير الخارجية اللبنانية يلتقي وزير خارجيتها في الامم المتحدة لكنه لا يزور زميله في مكتبه بدمشق ولا هو يدعوه لزيارة بيروت.
*****
هل من الضروري أن نشير إلى أن واشنطن أقرب الآن إلى الرياض وأبو ظبي والدوحة والكويت والبحرين من بغداد ودمشق والقاهرة وبيروت وعمان، فضلاً عن القدس المحتلة بل القضية المقدسة، فلسطين، برمتها؟
وهل من الضروري، ايضاً، الاشارة إلى أن بعض هذه العواصم العربية ونتيجة تبعيتها بالمطلق للإدارة الاميركية باتت أقرب إلى العدو الاسرائيلي منها إلى “الأشقاء العرب” الذين لم ينضوا تحت الراية الاميركية؟
..ولن يزيد “الاعتراف” وتبادل السفراء بين تل ابيب وهذه العواصم العربية العلاقات وثوقاً ، خصوصاً وانها تتجاوز السياسة إلى الاقتصاد (النفط والغاز) والى تنسيق المواقف ضد ايران.
على هذا، فقد تمت بعض لقاءات المجاملات بين مسؤولين عرب لا يتلاقون عادة الا في مناسبات دولية كانعقاد الدور العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة… فضلاً عن أن وزراء خارجية الخليج يواظبون على حضور اجتماعات مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية لأسباب تتصل بتأكيد “تضامنهم” في مواجهة “اخوانهم الفقراء”… خصوصاً وقد نجحت “امبراطورية قطر”، ذات يوم، في طرد دولة مؤسسة لهذه الجامعة هي سوريا، منها، وما زال مقعدها فيها حتى اليوم شاغراً.
ولعل المفارقة تكمن في أن رئيس جمهورية لبنان، التي تختلف مع ممارساته قوى عديدة في الداخل، سيكون موضع ترحيب من قبل مختلف الملوك والرؤساء العرب، على اختلاف مواقفهم من القضايا المطروحة جميعاً، فلسطين ومستقبل سوريا والحرب الباغية على اليمن والمسألة الفلسطينية التي يكاد يتخلى عنها أهلها فيتحكم في مستقبلها الاسرائيلي معززاً بالرئيس الاميركي المتوحش دونالد ترامب..
ولقد وقف هذا المضارب في البورصة يطلق التهديدات شرقاً وغرباً ويؤكد دعمه المفتوح للعدو الاسرائيلي، على مسامع عدد محترم من قادة الدول العربية فلم يظهر أحدهم اعتراضاً ولم يتصد للرد عليه، او لتأكيد التزام هؤلاء القادة بالحفاظ على “بعض” فلسطين، أو اعتراضهم على نقل السفارة الاميركية من تل ابيب إلى القدس، والطلب إلى الدول التابعة التمثل بواشنطن في هذا المجال.
من يكون متجبراً على شعبه في الداخل، سيعود إلى حجمه الطبيعي، أي الضئيل في الخارج، فكيف الامر في حضور من يفرض على ملوك النفط وامرائه ورؤساء الفقر والعوز “الدفع والطاعة” بالدولار او بالنفط الخام او الغاز.. مع التحية والشكر لقبول “الهدية”!
“مَنْ يَهُنْ يَسهُلِ الهَوَانُ عَليَهِ ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ”
تنشر بالتزامن مع السفير العربي