طلال سلمان

يوسف صقر واكتشافاته: سعيد خوري الشرتوني والمعاصرة

بين الحين والآخر يفاجئني هذا الرجل  المكتبة يوسف صقر ببعض اكتشافاته التي التهمت عمره: كتاب عمره مئة سنة أو يزيد، لكاتب مجتهد منسي، أو بحث ممتاز لدارس لم يحظ بالشهرة ومات مغموراً،

ولو كان الغنى بالمعرفة لكان يوسف صقر من أغنى الناس.

إنه ينقب، يكتشف، يدقق، يستوثق بالمقارنة وبالذهاب الى المراجع، رجالاً متفقهين أو مكتبات، حتى يطمئن إلى سلامة النص، أو الى صحة المخطوط، ثم الى نسب المنشئ أو المؤلف.

ولأن يوسف صقر يحفظ براءته وصفاء سريرته في حرز حريز،

ولأنه لا يزوّر التاريخ ولا يسمح للآخرين بتزويره ولا يتساهل معهم مهما أتعبوه،

ولأنه معتدّ بمارونيته اعتداده بعروبته،

ولأنه يعرف ضيعته ”بجه” بأصولها ومكوناتها، ومن ثم أصول جبل لبنان ومكوناته،

ولأنه قرأ كثيراً واكتشف كثيراً فعرف كثيراً؛ فهو يخوض معركة ”الفارس الوحيد” ضد تزوير الهوية والانتماء بتزوير أو طمس الوقائع التاريخية التي لا تروق لأصحاب الأغراض السياسية أو تنسف مرتكزات ”زعاماتهم” بتغليب ما هو طائفي على ما هو وطني وقومي.

آخر ما تلقيته من هدايا ثمينة من يوسف صقر كتاب يحمل في صدر صفحته الأولى التعريفات الآتية:

“فصل الخطاب في الوعظ”

للحبر العلامة والإمام الفهامة

السيد جرمانوس فرحات

مطران الأمة المارونية في مدينة حلب المحمية

رحمه الله

مع ثلاث محاورات في علم الخطابة

وضعها السيد فنيلون أسقف كمبراي

أحد أئمة البلغاء ومشاهير الخطباء عند الفرنسيس

ترجمها من الفرنساوية بالعربية العالِم العامل والأستاذ الفاضل

سعيد أفندي الخوري الشرتوني اللبناني

عُفي عنه

طُبع بالمطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت سنة 1896

* * *

أي أن الكتاب عمره مئة عام بالتمام،

في هذا الكتاب  الأثر فصل يحمل عنوان

“نبذة من كتاب أشعة الحق، وهو مجموع ما أنشأه من الخطب والمقالات سعيد أفندي الخوري الشرتوني

غفر اللهذنونه وستر عيوبه”

في هذا الفصل، خطبة ”في أن الخطابة أعظم قوة وهبها للإنسان”، ألقيت في 19 نيسان 1893، لسعيد أفندي الخوري الشرتوني، تضمنت مقاطع تصلح لأن تعتمد الآن أو تستعاد، لتوطيد أواصر ”المصالحات التاريخية” التي تعقد جزافاً بين المسيحية الغربية واليهود، ثم بين إسلام الحكم واليهود، مسقطة عن هذه الأرض العربية هويتها وتاريخها.

يقول سعيد أفندي الخوري الشرتوني في خطبته:

“أليس على ذكر منكم أقاصيص الشهداء، أم لم تمرَّ بمسامعكم أحاديث اضطهاد القياصرة الرومانيين للمتنصرين وذراريهم؟ أم لا تذكرون كيف احتفروا الحفر في رومة على عهد المضطهدين مفضلين الإقامة بها مع بقائهم في إيمانهم على سكنى القصور على الراحة والسعة مع إنكاره ولو باللسان؟!

وأحسبكم تتذكرون حديث أصحاب الأخدود، وهم نصارى نجران الذين أريدوا على اليهودية فأبوا فخدَّ لهم ”زرعة” أخدوداً وملأه ناراً، وخيّرهم بين اليهودية والنار، فقذفهم بها فتقحموها ولم يرتدوا عن دينهم.

وبعبارة أخرى أقول لو ان ملكاً حارب مملكة، ودوخ كل إقليم من أقاليمها وأخذها عنوة حتى استأمن إليه أهلها ودخلوا في طاعته، لبقي في قلق على نزعها من يده ما دام سكانها منطوين له على الحقد وطلب الثأر ورفع الضيم..”.

[وما يتجاوز الخطابة إلى الواقع أعظم وقعاً من كلمات سعيد أفندي.. ].

Exit mobile version