طلال سلمان

يا اهلنا نورتمونا

لنقل إنها البداية، إنها الخطوة الأولى.
لنفرج عن الفرح الملجوم بعدما أغرقتنا التجارب المريرة السابقة في جب اليأس والخيبة والأحزان العربية.
لنأمل أن تكون »الاتصالات« و»التصريحات« و»التحركات« العربية المتعاطفة مع لبنان، والمحتجة لدى الأميركيين على التدمير الإسرائيلي المنهجي للبنية التحتية في هذا الوطن الصغير بذريعة »الانتقام« لجنود الاحتلال الذين صرعتهم المقاومة فوق أرضنا المحتلة…
لنأمل أن تكون هذه جميعا أول الغيث ثم يتحول العتب إلى لوم، واللوم إلى غضب والغضب إلى إجراءات عملية..
وليس من حقنا أن نطلب من أحد أكثر مما يطيق.
يكفينا، كمرحلة أولى، أن يجيئنا إخوتنا العرب، أن يتحدثوا إلينا، أن يجهروا بتأييدهم لقضيتنا قضيتهم، أن يروا بأمّ العين مدى الأذى الذي تحمّلناه ونتحمّله باعتبارنا نمثلهم جميعا، ونرفع رايتهم جميعا، ونقاتل بدمائنا التي هي هويتهم جميعا.
أن يقف المصري والكويتي إلى جانب السوري، وإخوة آخرون قد يأتون لاحقا، في محطة الجمهور المدمرة، مجدداً، والتي صارت »ميدان تدريب« لطياري الاحتلال الإسرائيلي… تلك صورة مشتهاة وكانت على امتداد سنوات مفتقدة، وكان افتقادها يجعل اللبنانيين في حيرة من أمرهم: هل بلغ الخوف أو شدة قيد الارتباط أو التخلي عن إخوتنا حد الامتناع حتى عن زيارة مجاملة أو تفقد لإظهار الحد الأدنى من التعاطف، بمعزل عن الرغبة في المساعدة المادية المباشرة؟!
وأن نسمع من القاهرة كلمات تعبّر عن موقف يليق بمصر ودورها ومسؤوليتها الوطنية، أولاً، ثم القومية، فهذا يبهج اللبنانيين ويكسر من وحشة الشعور بالوحدة وتخلي الأهل عنهم.
إننا نريد أن نسمع صوت مصر لأننا نفتقد مصر، ولأننا لا نرضى لمصر أن تغيب أو تغيَّب، وأن تخرج من الميدان بالقهر، وأن تُغلّ يدها وأن تُمنع عن ممارسة وجودها وعن التعبير عن رأيها وعن القرار.
وكان صعباً علينا في لبنان، بل على العرب جميعاً، أن يسلموا بغياب مصر، أو بتغييبها القسري، ليس فقط لأسباب عاطفية ومبدئية بل لأسباب عملية وسياسية.
لم نكن نريد مصر أن تقاتل معنا أو عنا، ولكن أن تظل قوية، وأن تظل حاضرة، وأن تظل كما يفرض الواقع قبل التاريخ في قلب الصراع الذي لا يمكن أن تنهيه اتفاقات لا تنفذ، بغض النظر عما تكبدناه، داخل مصر وخارجها، نتيجة تلك التواقيع المتعجلة والتي لا تتناسب إطلاقاً مع تضحياتها العظيمة.
أهم ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية أن العرب قد وجّهوا أصابع اتهامهم إلى حيث يجب: إلى الإدارة الأميركية، التي ذهبت إلى أبعد مما يفعله الإسرائيلي، فغطت على الجريمة وأصدرت حكمها بإعادة إعدام الضحية!
وبحسب المنطق المسوق جيداً حتى بات هو الرائج فإن الإدارة الأميركية هي »الراعي« وهي »الوسيط النزيه« وهي الضامنة لكل الترتيبات المتخذة في سياق العمل »لتسوية مقبولة«، وبعد هذا كله فهي الطرف الأساسي في »تفاهم نيسان«… وهي قد ألقت بذلك كله خلف ظهرها عندما اندفعت لتبرّر الاغتيال الإسرائيلي للنور في لبنان، وعندما »أدانت« المقاومة وأعادت اتهامها »بالإرهاب«، وكأن مجاهديها قد ذهبوا لاغتيال أطفال جنود الاحتلال وهم نيام في فندق في نيويورك مثلاً، أو حتى في بيوت »مصادرة« في يافا وحيفا والقدس المحتلة.
وكان وما زال بين أكثر ما يؤلم اللبنانيين، مَن قضى منهم شهيداً ومَن ينتظر، أن يروا »السفراء« و»المبعوثين« العرب يتقاطرون على إسرائيل، بينما طائراتها الحربية تمرق فوق رؤوسهم وهي تقصد بيروت لنسف المنشآت، أو قصبات الجنوب والبقاع الغربي لتدمير البيوت على رؤوس أصحابها، أو لتقتل أطفال المدارس وهم داخل الصفوف يحاولون من خلال الهدير الدموي أن يتعلّموا ليعيشوا..
إنها خطوة أولى أدخلت شيئاً من الفرح إلى قلوب اللبنانيين حقاً، إذ هي أكدت الاعتبار في جهدهم المقاوم باسم العرب جميعا، ومن أجلهم جميعا.
أن يعود إلينا إخوتنا ولو للتفقد وإعلان التضامن، لا أكثر، فهذا موعد انتظرناه طويلاً، ليس لنتأكد من أن موقفنا المقاوم صحيح، بل لنستوثق من أنهم يرون ويسمعون ويعرفون ويحاولون أن يستعيدوا قدرتهم على المبادرة.
والمعركة مفتوحة وطويلة،
وهذه خطوة أولى، محدودة، ولكنها مهمة جدا برمزيتها.
لكننا نطمح وننتظر من مصر على وجه التحديد، خطوات أخرى، نعرف أنها تحتاجها مثلنا وربما قبلنا، ومرة أخرى: من أجل مصر قبل أن تكون من أجل لبنان وسائر العرب.
وفي ضوء مثل هذه الخطوة يصبح للتظاهرة أمام السفارة الأميركية في بعض ضواحي بيروت أهمية استثنائية، حتى لو كانت المسافة (النفسية والجغرافية) قد أنقصت عدد المشاركين فيها، كما أن عوامل أخرى كثيرة (محلية جدا ودولية جدا ومهينة في بعض وجوهها) قد حرمتها من الصدى المطلوب.
على أن هذه التظاهرة تتخذ أبعاداً مهمة إذا ما ربطناها بتظاهرات الطلبة في الجامعات الثلاث في القاهرة، مع كونها قد بقيت داخل الحرم ولم تخرج لتنوّر الشارع فتعيد إليه الروح.
في الغد يمكن بث النور في الشارع… والمهم أن تستكمل الخطوة الأولى بما يجعلها مسيرة نحو الصح.
ويا أهلنا: مرحباً، نوّرتمونا!

Exit mobile version