لم يتحرّك مجلس الأمن الدولي، بعد، لاستصدار قرار جديد يحدد فيه للبنانيين كيف يمارسون حقهم الانتخابي، مقيماً الضوابط الصارمة والمانعة لتشويه العملية الديموقراطية التي يباهون فيها الأمم، والتي تعتبر من ثمار ثورة الأرز المجيدة التي تلاقى أقطابها في المعركة الفاصلة قبل ثلاثة أيام.
ولو أن مجلس الأمن، لا سيما المندوب الأميركي السامي فيه، قام بواجبه فاستصدر قراراً يشرح للبنانيين فيه مبادئ الاقتراع وأدواته، لما حصل ما حصل يوم الأحد الأبيض في بيروت والأسود في المتن الشمالي..
فمجلس الأمن هو وحده مَن يقرّر كم ثقباً يكون في صندوقة الاقتراع، وموقع هذه الثقوب وتوزعها بين فوق و تحت ..
ثم أنه صاحب الصلاحية في تحديد عدد الألقاب التي يحق للمرشح أن يستخدمها، لاغياً تلك القاعدة المتخلفة التي تمنع أية إضافة إلى الاسم الصريح والطبيعي: فلان الفلاني… فكيف يُحرم أبناء البيوتات والقادة التاريخيون وأبطال الحروب الأهلية ومهندسو إفلاس الخزينة العامة من استخدام ما يؤكّد مكانتهم الاستثنائية، وما يسهّل عملية المحاسبة والتمييز بين الصوت المذهّب والصوت الفضي والصوت بالدولار والصوت بالليرة، ثم ذلك الصوت المجاني الذي قد يخرّب العملية الديموقراطية بالكامل متى اندفع كالسيل فجرف كل الألقاب؟
بعد ذلك، فلا بد أن يلحظ القرار في بنوده الصارمة: أين يقترع كل ناخب، وعلى أي أساس يتوزع الناخبون، هل على أساس المنطقة أو الطائفة أو المذهب ، وأين موقع العرق أو العنصر في هذه اللوحة الإرشادية… وهل تصح الديموقراطية بالاختلاط أم لا؟ وهل تساوي الديموقراطية فعلاً بين أبناء الست وأبناء الجارية، أم تحفظ لحملة الدم الأزرق حقوقهم كاملة؟
ويا حبذا لو أن القرار الجديد أكمل جميل القرارات السابقة فحدّد مَن هو على وجه التحديد المواطن اللبناني الذي يحق له الاقتراع، ثم أين يمارس هذا الديموقراطي العنيد حقه، والأهم: هل يحق للمسلم أن ينتخب مسيحياً؟ وبتفصيل أدق: هل يحق للشيعي أن ينتخب سنياً وبالعكس؟ وهل يحق للأرثوذكسي أن ينتخب مارونياً وبالعكس؟ وهل يحق للأرمني أن ينتخب مرشحاً مسيحياً أو مسلماً وبالعكس؟ وهل يعطى المجنَّس الفقير حقوق المجنَّس الغني، فيساوى بين طبيب أو مهندس أو عامل متحدر من وافدين يعملون في الزراعة منذ أجيال فيأكلون على حسابنا، ولو من عرق الجبين، وبين متمول كبير جاء ليسخِّر ماله من أجل عزة لبنان والعدالة الاجتماعية بين مواطنيه؟
وأخيراً: ألا يحق للبناني أن ينتخب بعدد جوازات السفر التي يحملها، لا سيما إذا كان من بينها الكندي والفرنسي والأوسترالي أو الغرين كارد الأغلى من الذهب؟!
سقى الله أيام الماضي.. أين زلماي خليل زاد من جون بولتون؟
إن بولتون يستحق أن ينال أرفع وسام لبناني، فهو، أولاً، من مؤسّسي ثورة الأرز ومن حماتها… ثم إنه يعرف أخطر رموز الديموقراطية في لبنان، وممّن صنعوا التجربة الفريدة بالحرب الأهلية، وكانوا بصدد إعداد طبعة جديدة منقحة ومزيدة لإبداعاتهم: الديموقراطية بالحرب الأهلية …
والفارق أن زلماي خليل زاد خبير بحماية الاحتلال بالحرب الأهلية، وفي الاحتلال كما في الحرب الأهلية تسقط الفوارق بين الأهالي فترفرف الديموقراطية بجناحيها فوق الجميع، بشهادة النموذج العراقي الذي تشير كفاءة القيادات الممتازة في لبنان إلى أنها تنوي اعتماده في جهدها من أجل حماية ثورة الأرز ونتاجها الديموقراطي العظيم الذي تمت ولادته يوم الأحد الأبيض كنموذج ممتاز لا بد من تعميمه لاحقاً، خصوصاً وأنه يحمل أختام سفارات عدة بينها الأميركية والفرنسية وسائر أوروبا الأطلسية.