طلال سلمان

ديموقراطية عنصرية مرة اخرى

قبل ثمانية عشر شهرا اكتسح إيهود باراك منافسيه الأقوياء، داخل حزبه وفي الأحزاب القوية الأخرى، وكان أبرزهم بنيامين نتنياهو، بشعار مركزي عنوانه: إخراج الجيش من المستنقع اللبناني، ووقف الجنازات اليومية للجنود الذين »يتصيّدهم« مجاهدو المقاومة في مكامنهم المحصنة أو أثناء تحركاتهم في الأرض المحتلة.
كان فوز باراك بزعامة إسرائيل ورئاسة حكومتها يشبه »الهبوط بالمظلة« على موقع حصين، أو واحدة من »العمليات الخاصة« التي يحفل بها تاريخ »نابليون الصغير«.
وكانت المعركة بين طاووسين بلا برنامج وبلا تجربة سياسية يعتد بها،
وعلى هذا فإن باراك لا يشعر بأي حرج وهو يتفادى السقوط بالعودة إلى الناخبين، في غفلة من المنافسين المحتملين وتحت شعار: منع نتنياهو من العودة إلى الحكم، وذلك بالمزايدة عليه، وعلى الآخرين جميعا، بتصعيد المواجهة الدموية المفتوحة مع الفلسطينيين.
المهم النجاح: حيث ينفع شعار الانسحاب نرفعه، وحيث يستدعي الأمر المزيد من جنازات الأطفال الفلسطينيين وتغييب جوهر الموضوع السياسي، نقتل بلا رحمة.
الديموقراطية طيعة، ويمكن أن تخدم العنصرية بكفاءة نادرة، لا سيما إذا كانت عسكرية.
مع لبنان كان الشعار الذي يضمن التأييد: الانسحاب من هذا المستنقع الدموي ولو من طرف واحد وبغير اتفاق سلام، والذريعة تأمين سلامة الإسرائيليين، لا سيما في مستعمرات الجليل الأعلى.
أما مع الفلسطينيين فإن الشعار المرفوع: إجبار »السلطة« على توقيع اتفاق نهائي يذهب بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، بدءا بعودة اللاجئين، مرورا بالقدس كعاصمة لدولتهم العتيدة وانتهاء بإزالة المستعمرات الاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتمكين الفلسطينيين من التواصل فوق أرضهم وضمن حدود معلومة (4 حزيران 1967).
لكن إلحاق الهزيمة بنتنياهو لن يحل الأزمة الكيانية التي تفرض نفسها على إسرائيل، والتي بلورتها وجسمتها انتفاضة الأقصى بحيث لم يعد ثمة مجال لتجاهلها، وللتحايل عليها باستفتاء مهرب في ليل المناورات السياسية الصغيرة!
فلقد مُني نتنياهو، في أيار الماضي، بهزيمة نكراء، وحقق باراك نصرا مدويا، ثم تهاوى عندما تبنى سياسته الدموية في مواجهة المطالب البسيطة للفلسطينيين.
فكيف يصح أن يكون نتنياهو قد تحول في نظر الإسرائيليين، الآن، إلى »المنقذ«.
هل تقترب إسرائيل من الصورة العامة للمنطقة، حيث الشخص هو الموضوع لا السياسة، وحيث البرنامج هو المرجع لا التاريخ العسكري؟
بين اتفاق أوسلو، في العام 1993، واليوم استهلكت إسرائيل معظم قواها وقيادات الصف الأول السياسية.
وعلى بؤس ذلك »الاتفاق« الذي صار من الماضي، فإن الاتجاه نحو »تسوية« جدية تقر بوجود الفلسطينيين و»ببعض« حقوقهم في أرضهم وكأنه »أكلة الحكومات« في إسرائيل!
وبائس هو المنطق الذي يفترض أن »باراك الثاني« سيكون أقدر على الحل من »باراك الأول«.
والأبأس الافتراض أن نتنياهو الثاني سيكون هو الحل!
لكن المؤلم أن انتفاضة الأقصى ستخب في دمها لشهور طويلة في انتظار »استقرار الحكم في إسرائيل« ناهيك باستقرار الحكم في مركز الكون: الولايات المتحدة الأميركية… ولن يكون هناك »مشروع حل« أو حتى »مشروع هدنة« لتعذر العثور على صاحب قرار!

Exit mobile version