يمكن الشهادة للرئيس الأميركي جورج و. بوش بأنه لا يكذب على العرب وغيرهم من شعوب العالم بقدر ما يكذب على شعبه ويضلله بالأرقام المزورة والتي يبني عليها سياساته القاتلة، و يجذب بها الناخبين ودافعي الضرائب!
فالرئيس جورج بوش، مثلاً، لم يكذب حين قال، في مجال التعليق على المسح الإحصائي الذي أجرته جامعة جونز هوبكنز الأميركية بالاشتراك مع جامعة المستنصرية العراقية، أن كثيراً من الأبرياء قضوا في العراق نتيجة اجتياحه عسكرياً في آذار 2003 ثم خلال فترة الاحتلال الأميركي الممتدة حتى اليوم.
كل ما فعله أنه اعترف بثلاثين ألف قتيل فقط، في حين أن الرقم الأصلي الذي توصل إليه المسح الذي قامت به كليتا الطب في كل من الجامعتين المحترمتين عالمياً، الأميركية والعراقية، يصل إلى ستمئة وخمسة وخمسين ألف ضحية، حتى أيلول الماضي.
والمسح الإحصائي الذي قامت به كليتا الصحة في واحدة من كبريات الجامعات الأميركية، لا سيما في المجال الطبي، وفي أحدث جامعة عراقية في بغداد، شمل 1849 عائلة في 16 محافظة عراقية، تضم 1280 شخصاً موزعين على 47 عينة. وأبرز ما خلص إليه هذا المسح أن معدل الوفيات كان قبل الغزو الأميركي 5.5 في الألف سنوياً، (برغم الحصار والافتقار إلى الدواء ونقص التجهيزات في المستشفيات) في حين أن هذا المعدل قد ارتفع خلال أربعين شهراً من الغزو إلى 13.3 في الألف سنوياً.
وحتى تموز الماضي من هذا العام كان عدد الضحايا الذين سقطوا في ظل قوات الاحتلال وعلى يديها أو على أيدي عصابات القتل الهمجي أو الطائفي أو السيارات المفخخة التي تجتاح القرى والبلدات والمدن وصولاً إلى قلب بغداد تحت ظل السيطرة الأميركية، فقد بلغ 655 ألف عراقي وعراقية، أكثريتهم المطلقة (60?) من الشباب والفتية إذ تتراوح أعمارهم بين 15 و44 سنة… هذا برغم وجود حوالى 150 ألف جندي أميركي وآلاف أخرى من دول حليفة مزودة بأحدث أنواع أسلحة البر والبحر والجو، هي الأحدث والأعظم تدميراً في العالم.
وهكذا فإن الرئيس جورج بوش لم يكذب كثيراً حين اعترف بثلاثين ألفاً من ضحايا غزوته العراقية… كل ما فعله أنه غسل يديه من دماء 625 ألفاً من العراقيين والعراقيات، رجالاً ونساءً وأطفالاً، رجال علم ورجال دين وعمالاً كادحين، ربات بيوت وصبايا كالورد وفتية كانوا يحلمون بمستقبل يليق باستعدادهم كما بتاريخ بلادهم العريقة.
لقد اعترف الرئيس الأميركي الذي استخدم العمليات الإرهابية ضد بلاده، في 11/9/,2001 كذريعة لاجتياح أفغانستان، بأنه إنما تسبّب في مقتل ثلاثين ألف عراقي وعراقية، أي عشرة أضعاف ما سقط من الضحايا في برجي نيويورك، أما إذا اعتمدنا الرقم الذي تبنته جامعة هوبكنز فإن النسبة ترتفع حتى تبلغ أكثر من ثلاثمئة ضعف… مع العلم أن الطاغية صدام حسين لم يضرب في الولايات المتحدة، ولم يقتل إلا عرباً وأكراداً وإيرانيين فقط!
بهذا المعيار يصبح جورج بوش أعظم دموية من صدام حسين، ويتفوّق عليه بعد القتل بأنه دمّر العراق ككيان سياسي ومزّق وحدة العراقيين كشعب متعدد الأعراق لكنه موحد في هويته.
لقد حكم أو تحكّم صدام حسين بالعراق والعراقيين لأكثر من ثلاثين عاماً، وكان حكمه دموياً، وكانت قسوته على شعبه استثنائية، فقتل في مجازر جماعية عشرات الآلاف شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ووسطاً.
ولكنه، اليوم، يجب أن يخجل من نفسه، فجورج و. بوش استطاع في ثلاث سنوات ونصف أن يبزه دموية وأن يتفوق عليه بالضربة القاضية: فهو لم يقتل فقط الستمئة وخمسين ألف عراقي وعراقية (والحساب ما زال مفتوحاً) بل إنه قتل قبل ذلك العراق… وأسهم في تدمير أمة كانت تبحث لها عن مكان تحت الشمس، فتسبّب بإرجاعها قروناً إلى الخلف.