طلال سلمان

بسكويت حوار

الخبث او التذاكي لا يحل مشكلات جدية، وربما متفجرة، مثل الضائقة الاقتصادية بمختلف تعبيراتها الاجتماعية الحادة، وقد بدأت مسلسلاً من الإضرابات مع التهديد بالنزول الى الشارع،
ونتمنى ألا يكون تجديد الحديث عن اقامة المجلس الاقتصادي الاجتماعي نوعù من التذاكي ومحاولة تمزيق صفوف حركة الاحتجاج المطلبية الواسعة، التي تضم النقابات العمالية والمهنية وممثلي العديد من القطاعات والفئات الاجتماعية محدودة الدخل، والتي تحظى بتأييد شعبي واسع.
نتمنى ان تكون الحكومة قد تنبهت، ولو متأخرة، الى ضرورة الحوار مع صغار الكسبة وذوي الدخل المحدود، بوصفهم عصب الإنتاج وليس »كمتآمرين على الازدهار ومخربين للاستقرار«.
نتمنى ان تكون جادة في تنفيذ القانون الذي احالته على المجلس النيابي، فأقره قبل ثلاثة عشر شهراً، ثم جمدته عند محطة تسمية اعضائه، وإطلاقه لمباشرة مهمته الجليلة كمؤسسة وطنية للحوار حول الشؤون الاقتصادية والاجتماعية.
إن السيرة الذاتية لهذا المجلس تفضح عدم جدية الحكم في اقامته وتمكينه من لعب دوره، خصوصù وقد كان للرئيس رفيق الحريري نفسه رأي هو غاية في السلبية، اذ اكد انه يرفض قيام »مجلس نيابي ثانٍ« ويرى في ذلك ازدواجية لا مبرر لها،
فقبل عشرين عامù صدرت اول بادرة رسمية عن الدولة في اتجاه انشاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي. وكان ذلك في بداية عهد الرئيس الراحل الياس سركيس، وأيام الحكومة الأولى للرئيس سليم الحص (اواخر 1976).
لم ترَ الفكرة النور، بل هي سُحبت من التداول، ولم تطرح مجددù الا في العام 1989، وبعدما آلت رئاسة الحكومة الى الرئيس سليم الحص، كوكيل، بعد استشهاد الرئيس رشيد كرامي، ثم بعدما أنهى امين الجميل عهده من دون تمكين المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
في تلك الفترة بالذات، وفي مؤتمر الطائف الشهير، أمكن تمرير المطلب في وثيقة الطائف… وكان على المطالبين ان ينتظروا بعد ذلك سنتين لتحويل الفكرة الى مشروع قانون (في ايام حكومة الرئيس عمر كرامي 1991).
وجاءت »ثورة الدواليب« في 6 ايار/1992، وطارت حكومة كرامي، ثم جاءت حكومة رشيد الصلح الانتقالية الانتخابية، والمشروع نائم في الأدراج…
و»هبت رياح الحريري«، وشكل الرئيس رفيق الحريري حكومته الأولى أواخر العام 1992 والمشروع نائم… وبعد سنتين كاملتين من المطالبات، عمدت الى سحب مشروع القانون من ادراج المجلس النيابي، وعدلته في مواقع كثيرة، ثم أحالته مجددù على المجلس.
ولم يرَ القانون النور الا في 12/1/1995، حين نشر في الجريدة الرسمية، لكن شيئù لم يتبدل، ولم ينفذ حرف واحد من ذلك القانون برغم مضي ثلاثة عشر شهرù على إقراره.
اليوم، ومن خارج جدول اعمال مجلس الوزراء، سيطرح القانون… للتنفيذ!
لماذا لم يسمح بقيام هذا المجلس قبل التفجر الجديد للضائفة الاقتصادية الاجتماعية؟
لا أحد يدري.
وهل طرحه مجددù اليوم يعني المباشرة في تنفيذه بتسمية الاعضاء فيه؟!
لا أحد يدري.
ثم، ان المباشرة في اقامة المجلس والتشاور حول اعضائه، بكل ما سيحفل به من مناورات وتكتكات وصفقات بيع وشراء واستدراج ولاء، تتطلب وقتù طويلاً، نسبيù، بحيث لا يمكن إحالة اسباب الاضرابات ومشاريع الاضرابات والاعتصامات والتظاهرات على هذا المجلس العتيد،
أهو لجوء جديد الى معالجة الأزمات بالإرجاء مع التلويح بسيف القمع، مرة أخرى؟!
والى اين يؤدي هذا القمع المزدوج: التحايل على تنفيذ القانون، أو المماطلة في تنفيذه، إذا كان يساعد على الحوار الذي قد يجترح الحلول أو يساعد على بلورة التسوية، ومن ثم الإدانة المسبقة والاتهام الفوري لأي صاحب مطلب بأنه متآمر على الازدهار الوطني والأمن القومي؟!
ان الضائقة أقسى مما تحاول ان تصورها، أو تزورها الحكومة،
والقمع لا يشبع الجائعين، ولا يوفر اقساط المدارس أو فاتورة الاستشفاء للمواطنين،
وليس في البلد بسكويت يكفي الأربعة ملايين مواطن،
والحوار في مثل هذا الأمر إنجاز وطني عظيم،
فلماذا يخاف الحكم من الحوار؟!
ومتى ينتهي هذا »المونولوغ« السخيف عن إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي ومواجهة التحدي الاسرائيلي بالمزيد من غرف الفنادق، بينما المواطنون لا يجدون ما يقيم الأود، فضلاً عن البيوت الضرورية لسكناهم؟!
متى يتعاطى الحكم مع مواطنه بالحد الأدنى من الاحترام، الاحترام لعقله والاحترام لإنسانيته؟!

Exit mobile version