من الصعب قراءة »المعركة« الانتخابية بالدلالات السياسية للتحالفات والتحالفات المضادة، ومن ثم بالنتائج المحتملة… ليس فقط لأنها معركة بين »متماثلين«، بل لأن الحدود السياسية بين القوى المختلفة قد سقطت وكادت تندثر تماماً.
لعل أبرز دليل يتبدى في البيئة المسيحية: فبقدر ما تراجعت الدعوة إلى »مقاطعة الانتخابات« كشعار »مسيحي«، كما كان عليه الحال في دورة 1992، ثم بنسبة أقل في دورة 1996، فإن موجة الاستنكاف عن الاقتراع تتزايد اتساعاً لا سيما في الأوساط الإسلامية عموماً والشيعة على وجه الخصوص منذرة بتناقص المشاركة إلى حدها الأدنى.
… هذا إلا في الدوائر التي يخوض »المعركة« فيها مرشحون محتملون لرئاسة الجمهورية (بعد أربع سنوات؟!)، أو مرشحون محتملون لرئاسة الحكومة (بعد ثلاثة أشهر تقريبا)، أو حيث تجري محاولات لتعويم مرشحين طامعين برئاسة المجلس، إن لم يكن بالاعتماد على القوة الذاتية فاعتمادا على القضاء والقدر وتصاريف الدهر!
ربما لهذا يكتسب »الصوت الماروني« أهمية استثنائية، إذ لم يعد قوة رمزية تكفي مشاركته، ولو محدودة، لإضفاء »طابع وطني« على الترشيحات ومن ثم على النتائج، بحيث لا تتبدى وكأنها انتصار لطائفة على أخرى بقدر ما هي معركة تحسمها التحالفات السياسية بمعزل عن عشوائيتها أو خروجها على أي منطق سياسي، بل بات هذا الصوت »قوة بذاته« ومركز استقطاب في بعض الحالات.
وربما لهذا يبدو وكأن الجنوب والبقاع عموما، وبعلبك الهرمل خصوصا، خارج أي حساب، وكأنما فقد »الصوت الشيعي« بريقه وقدرته على ترجيح الكفة (انتخابيا) نتيجة تحالف الاضطرار أو الضرورة أو تعذر الافتراق بين حركة »أمل« و»حزب الله«… وهو تحالف يلغي الغير من دون أن يضفي على أصوات المنتمين إليه أهمية سياسية توازي أعدادهم!
سكتت الأحزاب جميعا عن الكلام السياسي المباح، وفرضت الأصوات أن تنتقل المختارة إلى بكفيا، وأن يستقوي المرشح العقائدي بالأرمن في برج حمود، وأن تتحالف بعض القوى الجديدة مع الإقطاع السياسي القديم، وأن يسكت »حزب الله« عن »فرض« مرشح كان دائما مرفوضا من جماهيره، وأن ترى »الجماعة الإسلامية« نفسها مطوّقة »بتحالف مسيحي« فتستنقذ نفسها بالخروج… على الجميع!
اللافت أن بعض السياسيين الآتين من بيئة رجال الأعمال كانوا الأكثر »شجاعة« في تقديم وجوه جديدة، معظمها من خارج البيئة السياسية، بينما بعض أبرز السياسيين المحترفين استنكف أو سيستنكف عن خوض المعركة بذريعة أن لا أمل يرجى منها في مجال التغيير..
برلمان من »التكنوقراط«، مع واجهة سياسية محدودة يحتشد فيها بعض الطامحين إلى الرئاسة.
و»التكنوقراط« أصوات بلا صدى، وهم بالتالي »عز الطلب« في المعارك المقبلة التي من الأرجح أيضا أن تدور خارج السياسة.