لعل بيل كلينتون قد أنقذ رئاسته باعترافه بأنه قد خان زوجته، حين خرق أمانته لها كزوج، فأقام علاقة فضائحية مع نساء أخريات، مؤكدا بالمقابل انه لم يخن الأمة التي انتخبته باعتبار انه لم يخرق دستورها الذي أقسم على التزامه.
لكن الولايات المتحدة الاميركية اليوم لم تعد ابدا ما كانته قبل »الاعتراف الشجاع للرئيس الخاطئ«… فالبقعة التي لطّخت ثوب لوينسكي ستستقر بفضل المسلك المتذبذب لكلينتون بين الاعتراف بالذنب وادعاء البراءة على وجه الدولة العظمى الوحيدة في هذا الكون.
وصحيح ان الاخلاق لا تدخل كثيرا قاموس السياسة والسياسيين، لكن بلادا »محافظة« مثل الولايات المتحدة الاميركية لا تهتم كثيرا بالسمعة الشخصية لرئيسها ولا تنقص فيها شعبيته مهما تفاقمت وذاع صيت فضائحه، لا تقدم نفسها في الإطار الأنسب لقيادة العالم وبناء نظامه الجديد.
قد يبقى كلينتون رئيساً، كما تدل استطلاعات الرأي العام الأميركي، لكن كلينتون الجالس في قفص الاتهام، بل والمُدان في خلقه وتحديدا في صدقيته، لن يحظى بأي قدر من الاحترام خارج حدود بلاده، بعد اليوم.
فبالنسبة الى شعوب العالم التي تضيق ذرعا بتعاظم الهيمنة الاميركية وتمددها الى مختلف مناحي حياتها، بل وتحكمها بمصائرها، فإن هذه الفضيحة الرئاسية تأتي كالنقطة التي تطفح بها الكأس الملآنة حتى حافتها.
قد لا يجرؤ أحد على الاعتراض او على التنديد علناً، متلطياً وراء ذريعة انها قضية داخلية تخص الاميركيين وحدهم، لكن هيبة هذه »الاميركا« التي تتسامح الى هذا الحد مع رئيسها المجلل بالفضيحة ستتزعزع، وسيتداعى الاطار المعنوي الذي كان يموّه »هيمنتها« فيظهرها وكأنها قيادة نحو غد أفضل للانسان في كل الأرض.
إذا كان الاميركيون يقبلون برئيس غير جدير بقيادتهم، بالمعايير التي تواضع عليها الناس، في كل عصر، حرصا ربما على مكانة اميركا في العالم، فهذا شأنهم، اما الشعوب المتضررة من هذه المكانة فستكون »فضائح الرئيس« ذريعة إضافية للخروج من هذا النظام الملطخ بالفضائح والأكاذيب الرئاسية.
لا خطر على كلينتون، كرئيس، تقول استطلاعات الرأي الاميركية،
لكنه سيكون بعد اليوم رئيسا »شكلياً«، مجرد »شلو« أو تمثال أو صورة لرئيس، ولن يكون سهلاً على المؤسسات في بلاده أن تتعامل معه كقائد موثوق.
وربما أمكن القول ان ولاية نائبه آل غور قد بدأت فعلاً، ويمكن ايضا اعتبار التهنئة التي أطلقها محيياً في كلينتون شجاعته، وكأنها تحية وداع وإعلاناً بقبول التكليف بالرئاسة مع حفظ كرامة »رئيسه«.
وقد يلجأ كلينتون، في سيناريو آخر، الى تغطية الفضيحة الداخلية بمغامرة خارجية (العراق، مثلاً..)، حتى لو كانت أقرب الى »المناورة بالذخيرة الحية« حيث يمكنه تحقيق نصر سهل عسكريا وإن كان دويّه السياسي عظيماً..
وإذا كانت فضيحة كلينتون، وبالتالي ضعفه، تلعب لصالح بنيامين نتنياهو، كما رأت صحيفة »هآرتس« الاسرائيلية، خصوصا وهو قد استعار منه عباراته الاعتذارية ذاتها في »تبرير« خيانته لزوجته الثالثة عشية انتخابه رئيسا للحكومة، فإن نتنياهو »المعلم« قاده على المسرح المثالي (لكليهما) لمناورته بالذخيرة الحية هذه، وربما قاده فيها.
إن القيادة الاميركية التي كانت مرتهنة منذ فترة للتطرف الاسرائيلي تبدو الآن وكأنها قد سقطت كليا في يدها، سواء أتزايد نفوذ آل غور فبدأ يمارس صلاحيات الرئيس، ولو من دون إعلان، أو تزايدت هيمنة نتنياهو على القرار الاميركي لا سيما في ما يخص العرب عموما، و»العملية السلمية«، أو ما تبقى منها، على وجه الخصوص.
إن أسهل طريدة أمام كلينتون »عربية«، حتى إشعار آخر، لأن ضعفهم وفرقتهم وضياعهم وعجزهم يغري مَن يبحث عن »تغطية« لمشكلاته الداخلية.
ويستطيع نتنياهو أن يقدم تجربته مع »العرب« كدليل على النجاح غير المكلف: فهم يخضعون أكثر كلما تطرّف أكثر!
ولعل كلينتون المعطوب في سمعته الشخصية وفي بيته يكون أكثر قابلية لإيذاء الآخرين (لا سيما الضعفاء).
فيلحذر العرب أن يكونوا »ضحية« مغامرة جديدة لهذا الرجل الذي يُفضّل مطاردة السراويل على تحقيق الأفكار والمبادئ الأميركية.. السامية!