فضّاحة هي المشاهد التي توالت على الشاشات، أمس، ناقلة من باريس، بالصوت والصورة، وقائع ما جرى خلال زيارة الرئيس فؤاد السنيورة ووفده الوازن، بلقاءاته العديدة… وانعكاساتها المحتملة خلال المقبل من الأيام اللبنانية الصعبة.
لنترك جانباً ما حدث وما قيل مع الأمين العام للأمم المتحدة، مفترضين أن الطابع الغالب على هذا اللقاء كان التعزية بالشهداء من جنود اليونيفيل الذين سقطوا على أرض الجنوب، قرب بلدة الخيام، في حادث إرهابي نسبه كثيرون إلى القاعدة أو ما شابهها.
إن الحديث في هذا الأمر موجع، خصوصاً وأنه يستدعي الحرب الإرهابية الأخرى الممتدة منذ خمسة أسابيع مع عصابة فتح الإسلام في مخيم نهر البارد.. وهي عصابة ملتبسة الهوية والمصادر، وإن كان وزير الحرب قد نسَّبها هي الأخرى إلى تنظيم القاعدة ، ووعد مجدداً بتصفيتها قبل أن يرتد إليك طرفك..
لنكتفي بالتصريحات التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس، إثر لقائها الحميم الذي أعقب فطوراً شهياً، في مقر إقامة الرئيس السنيورة (زيادة في التكريم)، وتلك التي أدلى بها الناطق باسم الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي، بعد الغداء الدسم وبعد القبلات الدافئة على درج قصر الإليزيه (تقليداً لسلفه الذي يكرهه جاك شيراك).
.. ولنقارن هذه وتلك بالتصريح الناضح بالمرارة والذي أطلقه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، والموجود هو الآخر في باريس باستدعاء دولي رفيع للبحث في أمر حرب دارفور في غياب الحكومة السودانية.. لكن ذلك حديث آخر.
قالت رايس إنها تكن إعجاباً كبيراً للرئيس السنيورة وحكومته البتراء، وترى فيه وفيها نموذجاً مجسداً للديموقراطية والحرية والمؤسسات الشرعية..
وقال الناطق باسم ساركوزي ما مفاده إن حكومة السنيورة تعمل باسم الشعب اللبناني كافة، مؤكداً أن فرنسا ستقدم إليها كما الإدارة الأميركية ما تحتاجه من دعم.
وكان الرئيس السنيورة في غاية الانشراح لنتائج اللقاءات جميعاً، وهو قد عبّر بكلمات قاطعة في وضوحها عن اطمئنانه إلى الدعم المفتوح لحكومته، في تصديها لمخاطر الظروف القاسية التي يعيشها لبنان..
على أن الأمين العام للجامعة العربية لم يكن على مثل هذا التفاؤل أبداً، وهو يحذر من أن الواقع اللبناني خطير جداً ، وأن الجو الإقليمي سيئ وخطير للغاية ، وأن مهمته في لبنان قد فشلت لأن بعض الأطراف لا يقدّرون خطورة الظروف السائدة ، وإن كان لم يحدد هذه الأطراف، حرصاً على احتمال العودة لاستكمال المهمة بنجاح..
ولأن عمرو موسى قد جاء فجال واستمع وناقش وعرض وجادل فعدَّل وأعاد الصياغة، مرة وثانية وثالثة..
ولأن عمرو موسى يعرف قدرة الدول العربية على المساعدة (وبعض هذه المساعدة التي وصلت إلى لبنان قد زادت النار اشتعالاً، خصوصاً وأنها تضمنت تصفية حسابات أو تصفية خصوم أو التخلص من بعض أهل الإرهاب بتصديرهم..).
ولأن عمرو موسى قد اصطدم فعلياً بمثل هذه التطمينات التي استمع إليها السنيورة من ضيفته الأميركية إلى الفطور صباحاً ومن مضيفه الفرنسي على الغداء ظهراً.
لهذا كله، وليس فقط لما سمعه من أطراف الصراع في بيروت، فإن عمرو موسى كان ممروراً ومتخوفاً على لبنان من واقعه الخطير في الجو الإقليمي السيئ..
ولهذا كله حذر وزير الخارجية الإيطالية ماسيمو داليما من غرق الحكومة اللبنانية في دوامة الاتهامات ضد دول الجوار اللبناني ، محذراً من أن التفجير الذي استهدف اليونيفيل في الجنوب يشكل نقلة نوعية في الحرب على لبنان، ومشيراً إلى أن هذا التفجير له صلة بالاشتباك المفتوح في نهر البارد في الشمال.
ومع التقدير للحفاوة التي حظي بها الرئيس السنيورة في لقاءاته الباريسية فلا نظن أن اللبنانيين اليوم أكثر اطمئناناً إلى غدهم منهم قبل هذه الزيارة.
… ولا نظن أن الحكومة البتراء أكثر صلابة وقوة وتمثيلاً للديموقراطية والحرية والشرعية، بعد شهادة التقدير الجديدة من نائب الملك الوزيرة رايس.
وسنظل نفترض أن عمرو موسى هو الأصدق والأخلص والأدق في تعبيره عن القلق من المخاطر الآتية… وهي، بكل التقديرات، جدية وأكثر قسوة مما عشناه في ظل الانشقاق المدمّر للدولة والحكم والمؤسسات، وربما للشعب أيضاً، حتى اليوم.