من حق اللبنانيين أن يعتبروا أية محاولة لنسف مؤتمر الحوار الوطني أو إفشاله اغتيالاً لأمل بتوافق على التوجه إلى حلول للمسائل العالقة والتي لا يصدقون أن الخلاف من حولها يستحق التضحية بحاضرهم ومستقبل أبنائهم.
ومن حق اللبنانيين أن يتساءلوا: إذا كانت الأكثرية الساحقة منا، والعرب بإجماع المعنيين وذوي الدور والتأثير منهم، والعواصم الكبرى بإعلانها رسمياً وعبر سفرائها المعتمدين في بيروت، أو عبر إيحاءات وإشارات أطلقتها واثقة من أن »المترجمين المحترفين« للنوايا لن يخطئوا في فك رموزها وفهم دلالاتها،
إذا كان كل هؤلاء مع المؤتمر، ومع استمراره حتى اختتامه بنجاح، ولو نسبياً، يساعد على فتح باب الحلول المرجوّة، فمن هو ذلك »الجبار« القادر على تحدي الجميع والتشبث بشروط تجعل الحل متعذراً إن لم يكن مستحيلاً؟
لذلك فالسؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل يستحيل على هؤلاء جميعاً إقناع هذا »الجبار« بالخروج من حرب لم يطلبها أحد ولا يريدها أحد؟!
وإذا كان وليد جنبلاط هو المعني بالاتهام، فإن أسئلة أخرى تفرض نفسها، للتثبت من أن هذا الزعيم الكبير في لبنان الصغير قد استطاع إلحاق الهزيمة بالعالم أجمع… وأنه قبل ذلك قد ضحى بتحالفاته وصداقاته جميعاً.
لقد تصرّف وليد جنبلاط في واشنطن باللياقات وأصول التهذيب التي يرضعها أبناء البيوتات العريقة مع الحليب… فذهب إلى واشنطن معتذراً من عدد من رموز »اليمين المحافظ« ممن سبق له أن انتقدهم وشهّر بتعصبهم وكراهيتهم للشعوب عموماً، والعرب والمسلمين خصوصاً، وليس في هذا ما يضيره، وإن كانت نخب المثقفين والمؤرخين والساسة في الولايات المتحدة الأميركية نفسها، تدينهم بالتعصب حتى العمى، وتبنّي مقولات الأكثر عنصرية في إسرائيل، أما مثقفو أوروبا فيرون في أفكار هؤلاء وطروحاتهم ما يتجاوز النازية، ويخافون منهم على أميركا ذاتها.
في أي حال هذا شأن وليد جنبلاط ولياقاته وتحولاته الفكرية والسياسية التي يصعب حصرها أو إدراجها في سياق ناظم.
ولكن السؤال الباقي بلا جواب: لماذا يسهل عليه الاعتذار عن مسلك صح هناك، ويصعب عليه الانسجام مع منطق توافقي يتطلع اللبنانيون لأن يسود فيطرد اليأس ويجعل من مؤتمر الحوار الوطني مدخلاً إلى تسوية تاريخية تؤمّن للبنان الوحدة والسيادة من ضمن هويته العربية لا من خارجها أو على حسابها؟
مع ذلك، ما زال اللبنانيون يأملون أن ينتبه وليد جنبلاط، الذي يحفظون له مواقف شجاعة وحاسمة في لحظات فاصلة وطنياً، وإن كانوا يخافون من تقلباته المكلّفة والتي كثيراً ما استعصى عليهم فهمها. وهم يتجاوزون عن طلب الاعتذار مكتفين بتصحيح المواقف الغلط.