طلال سلمان

بدلا من ندب لوم صندوق لاعادة بناء جنوب

لا بد من كسر هذه الحلقة الجهنمية التي يبدو وكأن القرار الإسرائيلي قد حاصرنا فيها طارحاً أو فارضاً علينا وعلى العالم التساؤل عما سوف يكون بعد إجلاء قوات الاحتلال؟!
لوهلة، يبدو وكأن المحتل يُشفق علينا من مغبة خروجه بل إخراجه من أرضنا، وبدمائنا.
ولوهلة، يبدو وكأن العالم يخاف علينا من… الحرية!!
ولوهلة، يبدو وكأننا على وشك أن نخاف من استعادة أرضنا وعودة أهلنا فيها إلينا، وكأن الاحتلال أرحم بها وبهم منا، من دولتنا ومن مجاهدي المقاومة ومنا كشعب واحد صغير إلى حد أن لكل منا قريبا أو أقارب، ناهيك بالأصدقاء وزملاء الدراسة ورفاق الأيام الصعبة، بين هؤلاء العائدين إلى أحضاننا في الأسابيع القليلة المقبلة!
لا بد من تبديل الوجهة وتعديل صيغة السؤال لكي تصبح معبّرة عن الحقيقة كما عن واقع الحال،
فالعودة، بوصفها تحرراً وتحريراً، عيد وطني وقومي.
ليكن سؤالنا، إذن عن برنامج احتفالنا بالعيد،
ونبادر فنقول إننا لا نتحدث عن الأفراح والليالي الملاح، عن أهازيج البهجة وأناشيد الزفة وفرق الرقص والدبكة وأغاني المطربين والمطربات والبرامج الملونة التي ستبث للمناسبة في المحطات الأرضية وعبر الفضائيات!
سؤالنا يتجاوز أيضاً ما أعدته الحكومة من تدابير ومن إعانات ومن مساعدات ومن ترتيبات أمنية لطمأنة الأهالي، ليتركز على دور اللبنانيين، كمواطنين، في هذا العيد؟!
ماذا سيقدم كل مواطن تعبيراً عن وحدة المعركة وعن وحدة النصر، وعن الوحدة في المواجهة لما سيعقب الإجلاء أو لما سيتركه الاحتلال من ألغام وأفخاخ في الأرض المحررة، وربما بين أهلها، أو بين »العائدين« و»المستعيدين« أرضهم وأهلهم؟
وعلى سبيل المثال لا الحصر:
ربما يكون أبناء العائدين قد خسروا سنوات دراسية، ولا بد من تعويضها فوراً… فهل سنجد، إضافة إلى الخطط الرسمية، أو دفعاً لها، مَن هو مستعد لأن يعطي من وقته ساعات لكي يعوّض طلابنا هناك ما ينقصهم من المنهاج التربوي؟!
ثم ان المستشفيات ستعاني نقصاً شديداً في إعداد الأطباء والممرضات بعد خروج المحتل، إذ قد يتعمّد تخريبها، أو أن بعض العاملين هناك قد يستبقون »حرب الانسحاب« فيهجرون المستشفى والمنطقة، ريثما يستعيدون طمأنينتهم الى استقرار الوضع وانتظام العمل،
فهل سنجد مجموعات من الأطباء والممرضات جاهزين للانتقال إلى المنطقة المحررة لكي يساهموا في تضميد جروحها وفي تأمين التطبيب والاستشفاء لمن يحتاجه؟!
كذلك فإن العدو الإسرائيلي قد يعمد الى تخريب شبكات المياه والكهرباء والطرق، عشية انسحابه، مع الانتباه الى انه كان قد ربط بعض القرى في المنطقة المحتلة بشبكات المياه والكهرباء الإسرائيلية،
فهل نجد، إلى جانب الأجهزة الحكومية ومعها، منظمات وجماعات من المهندسين والعمال والفنيين المستعدين للانتقال فورا الى تلك المنطقة، وبث الروح والنور والمياه فيها، بحيث لا يبدو وكأن أسباب الحياة جميعا قد انتفت برحيله، وان التحرر لا يعني غير البؤس والإهمال وشظف العيش؟!
ومن باب الطرافة ليس إلا يمكن أن نسأل هذا الطابور من المرشحين للانتخابات، لا سيما أولئك الذين فتحوا مطاعم للناخبين، وأنشأوا جمعيات للتصدّق على الأصوات، وأعلنوا عن استعدادهم لتقديم المنح الدراسية للذين يمنحون سلفا هوياتهم، تدليلاً على صدق التزامهم بالتصويت لهم…
ألا يمكن أن نسأل هؤلاء ماذا أعدوا لتقديمه الى أهلنا العائدين إلينا وإلى أرضنا المسترجعة بالدم الغالي؟
وهل يمكن، مثلا وعلى سبيل الدعابة، أن نقترح عليهم تمويل »صندوق للتحرير«، يتولى تقديم المساعدات العاجلة سواء عبر الهيئة العليا للإغاثة أو مجلس الجنوب أو الإدارات المختلفة الغارقة في الروتين بما يعجزها عن المبادرة بالسرعة اللازمة؟!
بعد الطرافة ننتقل إلى الجد فنطرح التساؤل التالي:
لقد عبّر الكثير من إخوتنا العرب، مسؤولين ومواطنين، عن قلقهم الشديد على لبنان ما بعد التحرير،
البعض تخوّف من ضربات عسكرية إسرائيلية للتخريب ووأد الفرصة في مهدها ومنع انتقال عدوى التحرير بالدم إلى مناطق عربية أخرى محتلة،
والبعض بكى واستبكى مما افترض انه لا بد واقع من الفتن الطائفية والمذابح المذهبية، وكأن الاحتلال هو ضمانة الوحدة،
والبعض الثالث أظهر قلقا، قد يكون صادقا، من احتمال انعكاس الأزمة الاقتصادية التي تكاد تخنق لبنان عجزا عن تلبية الاحتياجات الضرورية في الأرض المحررة وعند ناسها،
أما البعض الرابع فتخوّف استطراداً من ألا يستطيع لبنان تأمين فرص العمل الكافية والنظيفة لهؤلاء الذين كانوا يعملون مع المحتل الإسرائيلي، سواء داخل كيانه، أو في الميليشيا التي أنشأها كمرتزقة تقاتل أهلها لتحميه وتؤمن احتلالها،
وبغض النظر عن النوايا فإننا نقدر لهؤلاء الأخوة إشفاقهم علينا ورأفتهم بنا واستعدادهم لمساعدتنا للتغلب على مصاعب ما بعد التحرير، ربما للتخفيف من عقدة الذنب التي تتملّكهم لأنهم لم يساعدونا (ولا نقول: تخلوا عنا) في معركة التحرير،
ما رأي الأخوة العرب، إذن، في تعويض التقصير، بمشروع جدي ومؤثر ويشكل سابقة قد تصلح أرضا للقاء قومي عز مناله وطال انتظاره؟!
ما رأيهم في إنشاء »الصندوق العربي لإعادة بناء ما هدمه وما خرّبه الاحتلال الإسرائيلي في لبنان«؟!
إدفع ديناراً لتبني بيتاً، أو جسراً، أو نفقاً، أو تمد شبكة مياه، أو شبكة كهرباء في جنوب لبنان.
إدفع ديناراً لترمم مدرسة أو مستشفى أو مستوصفاً أو ميتماً،
إدفع ديناراً لتنوِّر بيتاً، أو لتساعد فلاحاً جنوبياً صامداً على إعادة غرس البرتقال والزيتون في أرضه المحروقة.
لا أحد يطلب دولارات لقتل اليهود أو للثأر منهم،
إنما نطلب لتأكيد الحياة وتأكيد إرادة الحياة في هؤلاء العرب الذين هانت عليهم عروبتهم حتى باتوا يخافون من التحرر ويتقبّلون الاحتلال وهيمنة الأجنبي صاغرين!
أليس هذا انتقالاً بالنقاش من »المندبة« إلى ما يفيدنا غداً؟!
مَن يبدأ الخطوة الأولى؟!
نتمنى ألا يتأخر الجواب…

Exit mobile version