انقلبت الدنيا بالعرب وعليهم فاذا أمانيهم وأحلامهم كوابيس موجعة، واحيانا خرافات عاشوا بها ولها ومعها يملأون الافق بصيحاتهم المفعمة بالأمل: “من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر..” او “وحدة ما يغلبها غلاب” او “اقسمت باسمك يا بلادي فاشهدي” الخ..
العرب، اليوم، أمم شتى، منقسمة على ذاتها، محتربة في ما بينها، يكاد لا يجمعها جامعة من المشاعر او حتى من المصالح المشتركة، بعضها أقرب إلى العدو، وبعض اخر يتجاوز في العداء “لإخوته ـ الأشقاء” العدو الذي لم يعد له توصيف واحد او هوية محددة، فقد يكون “الاخ الشقيق”، كما قد يكون “الجار الصديق”.. فقد سقط جدار العداء مع العدو الاصلي والوحيد للعرب في ارضهم، وفي حاضرهم ومستقبلهم: الكيان الاسرائيلي وقوى الدعم الدولي بالقيادة الاميركية..
الأمّر والأدهى أن بعض العرب، الاغنياء بالنفط والغاز، قد اسقطوا العداء عن العدو القومي، محتل فلسطين وقاهر الارادة العربية، ووجهوه إلى اشقائهم الفقراء: كما حال الحرب الظالمة التي تشنها السعودية والامارات، تحت المظلة الاميركية، على اليمن..
ومن قبل، كان هؤلاء الاخوة الاغنياء قد “استقلوا” بثروتهم، تحت الرعاية البريطانية ثم الاميركية، عن اخوتهم الفقراء، فأنشأوا “مجلس التعاون الخليجي” بديلاً من جامعة الدول العربية ومؤسساتها التي تبشر باحتمال الوحدة او التكامل او التعاون..
أما اليوم، فان الاخوة الاغنياء قد اندفعوا إلى قتال اخوتهم الفقراء، كما في اليمن التي كانت سباقة إلى الحضارة انسانيا، علماً بأنهم قد “قاتلوا” سوريا، ولعلهم ما زالوا يقاتلونها بالمرتزقة، وحاصروا مصر بقصد اذلالها، وحاولوا تغذية نار الفتنة في العراق، واوقفوا التعامل مع لبنان واحتجز ولي عهد السعودية الامير محمد بن سلمان رئيس حكومته سعد الحريري من دون سبب معلن، ولم يفرج عنه الا بتدخل حاسم من الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي تصرف بذريعة أن الحريري من رعاياه بدليل حمله جواز سفر فرنسيا..
بالمقابل فان بعض الاخوة الاغنياء يقاتلون شعب ليبيا ويمنعونه من أن يجد لنفسه طريقاً إلى مستقبله بعد امبراطورية القذافي التي ثبت انها كانت من اوهام وذهب مضيع في الهواء..
ولقد ترك الاخوة الاغنياء شعب الاردن يقترب من حافة الجوع، قبل أن يبادروا إلى نجدته، بشرط الالتزام بما يقررونه لعرش مليكه ولضرورة استكمال مسيرة الصلح بالاستسلام للعدو الاسرائيلي..
في العودة إلى اليمن السعيد نجد أن الاخوة ـ الاعداء يواصلون تدمير دولته وإفقار شعبه الفقير اصلاً، ومسح مراكز العمران والانتاج فيه من صنعاء إلى الحديدة.. ويتباهون بفداحة التخريب الذي تسببوا به، ويستضيفون رئيسه المخلوع منصور هادي ليفرضوا عليه “تشريع” الحرب، وتزوير طبيعتها لتبدو وكأنها بطلب من “الشرعية”.
الذريعة هي هي دائماً: التصدي للنفوذ الإيراني..
..ولكن اليس من وسيلة “أرحم” من حروب التدمير والتجويع وتغذية العصابات الارهابية بالمال والسلاح ووسائل التدمير، كما يحصل مع سوريا، وكما حصل مع العراق من قبل؟
ما هذه “العروبة” قاتلة الاشقاء، مفقرة بلادهم، المتآمرة على استقرارهم في دولهم التي استولدت ضعيفة ومحتاجة إلى المساعدة دائماً، ليبقى الاستعمار في المنطقة بصيغة او بأخرى، ولتقام فيه دولة اقوى من دوله مجتمعة فتسترهن قرارها وتدمر دولها كلما استشعرت انها قد عرفت طريقها إلى غدها؟
أيها الاخوة ـ الأعداء: احملوا ذهبكم وارحلوا به إلى من استولد دولكم ورعاها وما يزال يرعاها حتى اليوم لتواجه العرب الفقراء وليس لكي تعينهم، ولتقاتلهم ـ كما يحصل في اليمن ـ وليس لمساعدتهم على بناء غدهم الافضل..
أيها الاخوة ـ الأعداء: احملوا نفطكم وغازكم وارحلوا، فنحن من نصنع غدنا الافضل بالجهد والمعرفة وعرق الزنود والجباه.