من دايانا إلى أولبرايت؟!
قد لا يكون من اللياقة أو اللباقة أو حسن الفطن الانتقال بالحديث من موضوع شيق ومثير مثل »موت أميرة«، وعلى الطريقة البريطانية هذه المرة، إلى أمر شديد الجدية والقتامة مثل »المقدمات الحربية« للجولة الأولى لوزيرة الخارجية الأميركية في المنطقة تحت عنوان عتيق وبليد وقد فقد معناه منذ حين وهو »إنقاذ أو إحياء أو تجديد أو إنعاش عملية السلام«.
لكن الضرورات تبيح ترك أميرة الرشاقة والرقة دايانا (ورفيقها المغدور والمنسي عماد محمد الفايد) للقدر المحزن، من أجل الاهتمام بسيدة »الدبلوماسية« الأميركية التي يسعدها أن توصف ب»الحديدية« والتي طالما أثلج صدرها أن تعلق عليه حلية على شكل أفعى، والتي لم تتكرّم بزيارتنا إلا بعدما افترضت أن الأطراف العربية قد »تصبّبوا عرقاً« بما فيه الكفاية وهم ينتظرون إطلالتها البهية لعل قدومها يحد من شهوة افتراسهم عند زعيم التطرف الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
… والمقدمات الحربية لإطلالة أولبرايت الأولى متعددة ومتسارعة وهي لما تتكامل وتشمل تقريباً »الجبهات« العربية كافة من مصر إلى المملكة العربية السعودية وسائر أقطار الخليج إلى الأردن لتتركز من بعد على سوريا ومعها لبنان، وأيضا على سوريا عبر لبنان.
ولقد استعد نتنياهو وأعد مسرح العمليات ليتركز الحديث حول برنامجه الخاص الذي يسقط كل ما سبق وصوله إلى السلطة من اتفاقات (أوسلو بالذات) ومن مسودات تفاهم ومبادئ لاتفاق مع سوريا يمهد لاتفاق مع لبنان كحلقة أخيرة في »العملية السلمية«.
في لبنان أعيدت إلى التداول مجمل المشروعات المعدة لإثارة الفتنة من »جزين أولاً« إلى »لبنان أولاً«، فكانت الحوادث المفتعلة في منطقة جزين ثم الانتقام من صيدا، وكان »القتل الخطأ« على طريق باتر، وكان التكثيف الإسرائيلي للعبوات الناسفة في المناطق المحررة كمحاولة لتعطيل هذا السلاح الذي تلجأ إليه المقاومة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأرض المحتلة.
وعادت الى التداول نغمة »التفاوض مع سوريا حول لبنان« بدلاً من التفاوض معها، أو استكمال التفاوض معها حول أرضها المحتلة،
وتواصل التوظيف الإسرائيلي للأردن كرأس جسر لتطويق سوريا وكأداة للضغط عليها، ولعل أوضح مثال طرح موضوع السد الإسرائيلي فوق الأرض السورية المحتلة (الحمة) بالاتكاء على الأرض المستأجرة من الأردن بموجب اتفاق وادي عربة الشهير.
وبعد الضغوط المعلنة على السعودية وسائر أقطار الخليج لإجبارها على المشاركة في مؤتمر الدوحة، ها هي البوارج الأميركية تتحرك لتكمل الحصار من حول سوريا بطوق يمتد من تركيا الى آخر نقطة على الحدود الفلسطينية المصرية.
ان تحديد موعد المناورات المشتركة مع الموعد المفترض لانعقاد مؤتمر الدوحة هو »مذكرة إحضار بقوة السلاح« للذين أعلنوا انهم سيقاطعونه، وذريعة تبرر حضور الذين يرغبون في حضوره لكنهم يخشون من ردة فعل انتقامية قد تصدر عن مواطنيهم أولاً كما عن أطراف عربية كثيرة ترى في هذا المؤتمر اغتيالاً للتضامن العربي في وجه التطرف الاسرائيلي وتنازلاً مجانيا أمام نتنياهو الذي لا يريد من المؤتمر إلا شطب آخر ما تبقى من معالم الوحدة في الموقف العربي من الاحتلال والاستيطان ومصادرة الأرض العربية والقرار العربي والغد العربي.
ان البوارج والأساطيل لا تصنع سلاما،
والتواطؤ (العلني) مع التطرف الاسرائيلي والهجانة التركية لا يمهد الطريق أمام من يريد انقاذ »العملية السلمية« التي فتحت الطريق امامها الرعاية الاميركية المباشرة، والتي يكاد يتسبب في دفنها التطابق الكامل (ولو بالاذعان) بين الادارة الاميركية الضعيفة وبنيامين نتنياهو الذي يتصرف وكأنه سيد الكون.
واذا كانت أولبرايت قد استبقت مجيئها بالاعتراف بأنها ليست »ساحرة« ولا تملك حلولا جاهزة لتعرضها (او تفرضها) فإن مقدمات زيارتها لا توحي بنتائج من شأنها انقاذ »العملية السلمية« التي اعاد نتنياهو صياغتها بحيث باتت تنسجم مع برنامجه المعلن: الأمن مقابل السلام.
انه يحاصر سلطة عرفات ويبتزها يوميا لتغدو رديفا فلسطينيا »لجيش لحد اللبناني«، اي مجرد جهاز امني إضافي بوجه »عربي« ملحق بأجهزة الاغتيال والقتل العمد الاسرائيلية المكلفة بإفراغ الارض الفلسطينية من اهلها لبناء المزيد من المستوطنات ليهود سيستقدمون غدا لتعزيز »القلعة الاسرائيلية«.
وهو يضغط بالنار على لبنان، ويحاول »تعديل« لجنة وقف النار المنبثقة عن »تفاهم نيسان« لتغدو مجرد اداة دولية تساعد على تحقيق شعاره »الامن مقابل السلام«.
وهو يضغط على سوريا بالتهديد اليومي بالحرب وبإقامة تحالف مع سلطة تركية موتورة ومسكونة بالخوف من مشكلاتها الداخلية فلا تفعل غير الهرب الى الامام باختراع اعداء وهميين في الخارج اولهم وأخطرهم سوريا (؟!) لقمع المعارضة والمغبونين والمظلومين في الداخل،
وتأتي المظلة الاميركية لتعطي هذا الحلف غير المقدس شكل الحصار المفروض على قلعة الصمود العربي الاخيرة، لعل »عزلها« يمكن اطرافا عربية »محرجة« من التحلل من التزاماتها والاندفاع الى بيت الطاعة الاسرائيلي ودائما بذريعة »لن نكون ملكيين اكثر من الملك وطالما ان الفلسطينيين قابلون فلا بد لنا من القبول والا كنا كمن يزايد عليهم ويحرجهم فيضعفهم امام حاكمهم الاسرائيلي«.
انها الزيارة الاولى لأولبرايت،
ولقد جاء قبلها ومن واشنطن بالذات مَن هو »اشرس« منها، كما جاء من هو »ادهى« منها وأذكى،
والاكثر نجاحا هو الذي كان اكثر فهما لطبيعة الصراع المفتوح في المنطقة والذي لن تنهيه صلافة التطرف الاسرائيلي ولا تهافت الادارة الاميركية التي تكاد تتنكر لكل جهدها وما »انجزته« في سياق »العملية السلمية« التي ذهب اليها العرب بمذكرة جلب، والتي لم يتبق منها الكثير ليبكوا عليه.
… فإن كان لا بد من البكاء فدايانا اولى بالدموع من اولبرايت ومهمتها التي تباشرها كارهة او مكرهة والتي يستقبلها العرب متوجسين بينما يرى فيها نتنياهو اداة تطويع لآخر العصاة امام مشروع هيمنته المطلقة على المنطقة، تحت المظلة الاميركية التي يبدو الآن وكأنه قد امتلكها بين يديه الملطختين بدماء »العملية السلمية«!.