في انتظار قراءة موسعة لنتائج الانتخابات البلدية والاختيارية، لا بد من وقفة تأمل طويلة أمام ما حدث في مدينة بعلبك تحديداً لاستخلاص الدلالات الخطيرة التي حفلت بها والتي لا يجوز السكوت عليها إطلاقاً.
لقد تقاطعت السيوف على »حزب الله«، واحتشد في مواجهته خليط متنافر من القوى، واستنفرت ضده الحساسيات المذهبية والطائفية بطريقة بشعة، كذلك جرى تخويف الناس من »حالة تجويع« ستجتاح المدينة اذا أمسك الحزب ببلديتها ونشر »التشادور« فوق قلعتها وشمسها الحارقة!
أُغفل التاريخ النضالي المجيد لهذا الحزب الذي قدم الشهداء كوكبة اثر كوكبة من أجل تحرير الأرض المحتلة، والذي غدا شبابه المقاوم مثلا أعلى لشباب العرب والمسلمين.
استثمرت بعض الأخطاء والتصرفات الفردية التي لا يتحمل مسؤوليتها الحزب وضُخِّمت وجُسِّمت لتغطي على مجمل التقديمات والمساعدات التي وفرها الحزب لبعلبك، بكل طوائفها، ولمحيطها الفقير والبائس.
أعيد إحياء تراث »الفتنة الكبرى«، واستعيدت »حرب الجمل« ووقائع »صفين«، وكاد البعض يرفع المصاحف على أسنة الرماح، زوراً وبهتاناً.
صوِّر الحزب العميق الجذور في ضمائر البعلبكيين وفي الأرض السمراء وكأنه قوة وافدة أو عادية تريد »الاستيلاء« على ما ليس من حقها، مع ان الجميع يعرف انه القوة الناخبة الكبرى والمنظمة في بعلبك كما في منطقتها عموماً.
وباختصار فقد حوصر الحزب، من قبل الأحزاب العتيقة والفاقدة جمهورها، ومن قبل العائلات التي استثيرت بالشائعات المغرضة، ومن قبل المذهبية المتفجرة،
دخل الجميع الحرب الغلط، مع ان الحزب يكاد يكون المحارب الوحيد (والأخير؟) في المكان الصح وفي الزمان الصح ومن أجل الهدف الصح.
ولعل البعض يستطيع الادعاء انه قد ربح معركة البلدية في بعلبك وانتزعها من »حزب الله«.
لكن المؤكد ان وجود »حزب الله« في بعلبك لم ينشأ بسبب البلدية ولن يضمر بعد معركتها الظالمة والمزورة الشعارات والأهداف.
إنها خسارة لا يستحقها هذا التنظيم الذي أعاد إلينا اعتبارنا لانفسنا، كما انه نصر لا يستحقه الذين تواطأوا عليه، واختلسوه في ليل التعصب والشحن المذهبي وحرب القديم المستهلك على الجديد المجتهد من اجل تطوير ذاته والانفتاح على الجميع.
وسيبقى »حزب الله« القوة الأساسية في بعلبك وفي محيطها، وخصوصاً أنه عوّدنا انه لا يخاف النقد وأنه يمارس النقد الذاتي وأنه يملك شجاعة الاعتراف بالخطأ تماماً كما يملك شجاعة مواجهة العدو وحيداً!
