طلال سلمان

بعد انتخابات قبل حكومة

مع انتهاء »موسم« الانتخابات، بكل ما حفلت به من شعارات مثيرة، بعضها يدغدغ العاطفة، وبعضها يستثير الطائفة، وأقلها يتوجه الى العقل، عادت الى التداول، وبشكل مباغت الحقائق الاقتصادية والاجتماعية التي تنذر بانهيار لا يُبقي ولا يذر.. وبشّرنا الجميع بأن الكارثة مقبلة ولا رادّ لها!
لكأن الانتخابات كانت »إجازة« من الهموم الدائمة والضاغطة بالطرائف واللطائف الانتخابية، وبينها النكايات والمكايدات والمساومات والصفقات والتحالفات السوية والشاذة، وبالحملات الدعائية المجانية والمدفوعة، والملصقات والمهرجانات ولوحات الاعلانات والصور الزاهية والاغنيات واللافتات والشعارات الجذابة..
وضع الجميع هموم الناس جانبا، و»أغروهم« بأن ينسوها لبعض الوقت، اي ريثما يتقرر المصير، ديموقراطيا، وبالتصويت، حتى إذا فرزت الانتخابات الجيد من الرديء، والقادر من العاجز، عاد الفائزون الى معالجة المأزق وهم اكثر ثقة بالنفس وأكثر قدرة على اجتراح المعجزة بعدما تزوّدوا بثقة الناس الغالبة.
زايد من توسّل المزايدة طريقا للربح… والعلاقات اللبنانية السورية بئر بلا قرار، كلما أفلس سياسي مد يده الى »بحرها« فغرف فشرب وسقى وبكى واستبكى وروى الغليل!
ناقص من افترض المناقصة جلاّبة للتأييد. تبارى من يريد الافراج الفوري عن سمير جعجع من سجنه مع من يريد الإعادة العاجلة لميشال عون من »منفاه« ودائما تحت راية المصالحة الوطنية… ووسط فاصل موسيقي قصير تمت الصفقة مع امين الجميل، فعاد وكأن شيئا لم يكن وبراءة الاطفال في عينيه، وعقدت المواثيق لاستكمال تحرير الوطن بالعامية الشعبية الجديدة بقيادة تحالف المشايخ والبكوات.
هاج معارضو التوطين وماجوا فأدانوا وخوّنوا وهددوا »المواطنين« حتى اذا ما اطمأنوا الى انهم قد استنفروا وحش »العنصرية« ليعززوا به تنّين الطائفية هدأوا فاستراحوا وما اراحوا.
أرغى معارضو العهد وأزبدوا، واستشرس معارضو الحكومة فأبلوا بلاء حسنا، بينما رافقت الخيبة من حاول الدفاع عنه وعنها بحجج مستهلكة وذرائع بالية لا يقبلها عقل او منطق.
إذاً فهي الأزمة الاقتصادية: هي مصدر الداء ومكمن العلة.
لكن المرشحين الكثر الذين لم يتعبوا من الاشارة الى هذه الازمة في خطب المهرجانات، لم يقدموا في برامجهم ما يفيد أنهم أعملوا فكرهم وابتدعوا مشاريع حلول او مقترحات للعلاج، إلا من عاد منهم الى وصفاته القديمة فجعل لها غلافا جديدا ثم دفعها الى السوق..
إذاً، فمع انتهاء »الانتخابات الديموقراطية الاولى« في تاريخ البلاد، على حد ما قال بعض المراجع، انكشفت فجأة الفواجع الوطنية العظمى، وهي بالترتيب:
لا وفاق في الداخل ولا مصالحة وطنية،
الحكم حكم والمعارضة معارضة ولا يلتقيان.. إلا بإذنه تعالى!
الاقتصاد الى انهيار برغم كل ما كنا سمعناه وعرفناه ودفعنا ثمنه من خطط البناء وإعادة البناء ومن مشاريع الانقاذ وإنقاذ الإنقاذ، وإزالة آثار الحرب وتجديد الدولة وخطط الاصلاح الاداري والمالي، على امتداد العشر سنوات الماضية..
الضائقة المعيشية تهدد بانفجار شعبي لا تنفع معه المهدئات او المخدرات او وسائل الانعاش السريع (وهذه متعذرة)..
والحل؟!
لا حل إلا بحكومة وفاق وطني بين المختلفين الى حد إلغاء بعضهم البعض،
لكأن عودة الغائبين او المغيّبين تستدعي تغييب بعض الذين كانوا حاضرين؟!
او لكأن الوفاق الوطني كان في السجن او في المنفى،
ولكأن حكم العهدين، السابق والحالي، هو الذي منع هذا الوفاق العزيز.
ولكأن كل الذين يخطبون الآن، ويتحدثون فيطالبون او يطلبون الوفاق الوطني او يتطلعون إليه وكأنه أمنية، هم غير الذين تعاقبوا على الحكم وإدارة شؤون البلاد على امتداد حقبة ما بعد الطائف.
أين الخلل؟ في المواقف أم في الكلام؟!
وأين الحل؟ في الخروج مما كان، ام في الدخول في ما تأخر الدخول فيه؟!
أم أن دمشق هي، مرة اخرى، المسؤول عما كان وعما لم يكن؟!
انتهت الانتخابات وانتفت الحاجة ولو مؤقتاً الى الراعي الصالح والوسيط النزيه، إذاً فلنتفق عليه بدل ان نتفق معه وعنده..
لعل الاختلاف يدخلنا نعيم »الوفاق« باعتبارنا طرفا متشددا ومتطرفا ومطالبا باستعادة الكرامة والعنفوان والسيادة والاستقلال والمقعد الوزاري المحقق للمصالحة الوطنية،
فما كان، يجيء به التوافق مع دمشق لا يجيء به الآن إلا ادعاء الخلاف معها، وقد أعذر من أنذر!

Exit mobile version