ليست عابرة هذه الأزمة التي تعيشها الصحافة في لبنان هذه الأيام..
وبرغم ان صحفاً جديدة صدرت أو هي في طور التأسيس ولسوف تصدر قريباً، إلا أن هذه الإصدارات الجديدة تؤكد الأزمة السياسية الخطيرة التي تعيشها البلاد وتأخذنا الى منطق “لكم دولتكم ولنا دولتنا”!
انها أزمة سياسية تنبع من صميم هذا النظام الطائفي الفاسد والمفسد، والذي يطلق المستفيدون منه صرخات تقسيمية صريحة، وينشئون منابر صحافية لتعميم المناخ الطائفي الانفصالي.
لقد غيب الموت قادة الحركة الوحدوية العربية، وهزم العدو الإسرائيلي أنظمة الإنفصال والإقليمية والتواطؤ على شعوبها، فارتدت محتمية بالكيانية والإقليمية والطائفية والمذهبية.
ولأن لبنان بلد التجربة والخطأ، والمرآة العاكسة للأوضاع الراهنة للدول العربية، “ممالك” كالبحرين، و”دولاً” كالإمارات العربية المتحدة وإمارة الغاز في قطر،
ولأن سوريا غارقة في دماء أهلها، والعراق مغيب عن دوره منذ الاحتلال الأميركي في العام 2003 حيث زرع الأميركيون بذور الفتنة الطائفية والمذهبية فضلاً عن العنصرية، عرباً وكرداً وأزيديين وصابئة وسرياناً وكلداناً الخ..
ولأن الأقطار الخليجية لا يمكن أن تكون دولاً إلا بتعزيز الخوف من الدول العربية “الشرعية” كمصر والعراق وسوريا، فضلاً عن دول شمال أفريقيا والسودان، باستثناء ليبيا المغدورة في دولتها والمشتت شعبها في أربع رياح الأرض..
ثم ان السعودية تخلت عن طموحاتها الإمبراطورية، في غياب كل من مصر وسوريا والعراق، فضلاً انها غير مؤهلة لأن تكون قيادة، وجل همها أن تدمر اليمن طالما عجزت عن السيطرة عليها واستعباد شعبها،
لهذه الأسباب مجتمعة سقط الشعور القومي في غيبوبة، لافتقاد القيادة المؤهلة لقيادة الأمة، وأبرز شروطها مواجهة العدو الإسرائيلي ومعه مرجعيته العليا ممثلة في الهيمنة الأميركية، وكل ما يعزز النزعة الاقليمية ومحاولة “الاحتماء” بالطائفية والمذهبية والكيانية التي تستند اليهما.
والإقليمية هي الأب الشرعي للكيانية التي تعتمد الطائفية مبرراً وسلاحاً مدمراً،
على أن الطائفية تدمر الأوطان ولا تحمي “دولها” التي تحتاج دائماً الى من يحميها، وهو في العادة “الأجنبي”، وفي الواقع الإسرائيلي.. فبين هذين “العدوين” للأمة الواحدة حلف متين من الكراهية لشركاء المصير في الوطن الواحد، وعداء مكين للمستقبل المنشود لهذه الأقطار بمختلف أنظمة حكمها.. التي تحب الإسرائيلي والأميركي أكثر مما تحب أهلها..