طلال سلمان

عودة وعي حوار

من بركات شهر رمضان أننا عدنا نسمع كلمة الحوار مرة أخرى، بعد سحبها من التداول لفترة طويلة حتى كدنا نفترض أن الأطراف السياسية جميعاً ذاهبة بنا إلى صدام خطير لأسباب غامضة تعجز عقولنا عن فك طلاسمها وإن تبدت دلالاتها في الهياج أو التهييج الطائفي والمذهبي حيث لا قضية ولا مبررات مقنعة لهذا الحكم على الشعب… بالانتحار!
وعودة كلمة الحوار إلى التداول أمر طيب، لا سيما إذا كانت هذه العودة وعداً بالوعي بحراجة الأوضاع في لبنان ووعداً بالسعي لعلاجها بدلاً من التسريع في انفجارها أو تفجيرها، لا فرق أن يتم ذلك بالتواطؤ أو بضغط الخارج على الداخل المشلّع بالفرقة..
ذلك أنه منذ أن هدر الطيران الحربي الإسرائيلي في سمائنا مباشراً حرب التدمير المنهجي لأسباب العمران والقتل المنهجي لمن اعتبرهم أهل الإرهاب في لبنان، بالنساء فيهم والشيوخ والأطفال، ولا سيما الأطفال، تعطل الحوار ، أقله باللغة العربية، وفرض على اللبنانيين أن يسمعوا ما يتوجب عليهم أن يفعلوه، بلغات أجنبية عديدة، إذا ما أرادوا النجاة بما تبقى من ديارهم وأرزاقهم وحقهم في الحياة.
بعد وقف الحرب التي استحال على إسرائيل أن تحقق النصر فيها، تدفقت شلالات الكلام بالاتهامات بل الإدانات للمقاومة على مغامرتها التي أرجعت البلاد عشرين عاماً إلى الوراء … وتفضل بعض الذين لم يقاتلوا ولم يقتلوا إلا أهلهم من اللبنانيين (والفلسطينيين والسوريين) فقرعوا جرس الانصراف للمقاومة ومطالبتها بتسليم سلاحها فوراً إلى الشرعية تمهيداً لبسط سلطة الدولة على كل شبر في لبنان.
لم تكن مثل هذه المطالبة بالمحاسبة مؤهلة لأن تفتح باب الحوار، بل هي كانت ولا تزال تفيد في فتح أبواب جهنم على اللبنانيين، بعد تصويرهم كأنهم مختلفون، منذ الأزل وإلى الأبد، وعلى كل شيء بالمطلق، ولا سبيل إلى الاتفاق حتى على أن الأرض كروية وتدور حول الشمس فيكون الليل والنهار!
ولم تكن الدولة الغائبة أو المغيّبة منذ زمن بعيد جاهزة كي تبسط سلطتها فجاءت الدول من وراء البحور كي تعين السلطة على مد بساطها من التخم إلى التخم، وبما يمنع مرور الهواء… حتى على ظهور بغال المهربين!
المهم أن كلمة الحوار عادت، ولله الحمد سالمة، إلى شفاه الأقطاب والزعماء والقادة الذين كلما اتفقوا قتلوا الديموقراطية، وكلما اختلفوا قتلوا الناخبين… أو بصيغة أخرى فإنهم حين يتفقون يلتهمون الدولة، وحين يختلفون يقتلون الدولة وسلطتها الشرعية ومواطنيها الآمنين!
وقديمة هي الحكمة القائلة إن لبنان يعيش بالحوار وعلى الحوار.
الحوار في ما بين أبنائه بطوائفهم العديدة وحقوقها المقدسة .
والحوار مع محيطه العربي، بدءاً بسوريا بغض النظر عن نظامها المختلف كلية عن نظامنا، ومن بعدها مصر والسعودية، أساساً، ثم سائر العرب (مع الأخذ بعين الاعتبار تغييب العراق بالاحتلال الأميركي، وما نتج عنه، أو ما استثمره من تركة الطغيان، وتغييب فلسطين بالاحتلال الإسرائيلي، ثم ما استولده الصراع على السلطة من تفتيت في صفوف المناضلين لتحريرها… و السلطة برغم أنها شكلية فهي لا تنتج في مثل الظروف المفروضة عليهم إلا الانشقاق الداخلي وصولاً إلى الحرب الأهلية).
نتمنى أن تكون الصحوة حقيقية، وأن يكون الوعي قد عاد يحكم مسلك القيادات فيأخذها إلى تجديد الحوار…
ومشروعة هي الخلافات حول السلطة، لكن المحظور هو الخلاف على الوطن، وعلى تحديد عدوه ، ومن ثم تحديد أصدقائه..
ومرة أخرى نتمنى أن تكون رحلة الرئيس نبيه بري إلى السعودية قد أثمرت باستدراج هذه المملكة إلى ميدان تجديد الحوار بين الأطراف الأساسيين، وبقصد العودة إلى ما كانوا قد توافقوا عليه ليكملوه، وليس كي يبدأوا مجدداً في الحوار حول.. جنس الملائكة، داخل السلطة وخارجها!

Exit mobile version