طلال سلمان

عذر عربي صلح اسرائيلي

ليس عذرد لعلي عبد ا” صالح أن يدعي أن لقاءه مع شيمون بيريز قد تمّ مصادفة، أو نتيجة الإحراج،
ولا يبرّر الواقعة المستفزة أن يدعي الرئيس اليمني أنه إنما ربط صلحه مع إسرائيل بتوصل سوريا ولبنان إلى اتفاق سلام معها.
فالخبر هو اللقاء وليس ما قاله صالح لبيريز،
ولن يصدق أحد الادعاء ـ مثلاً ـ أن علي عبد ا” صالح قد تعب من مقارعة الصهيونية فكريد، ومن مواجهة «الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر» عسكريد، فاندفع نحو شيمون بيريز جانحد… إلى الصلح طلبد للسلام وسعادة الشعب اليمني المطحون بالفقر والتخلف!
ولقد يعتذر الرئيس اليمني بأن الحزن على صديقه الراحل فرنسوا ميتران قد أعماه فلم يميّز بين المشاركين في موكب التشييع، أو بين المدعوين مثله للغداء إلى مائدة الرئيس الفرنسي جاك شيراك في الإليزيه، فلم يستطع أن يرفض اليد الإسرائيلية الممدودة إليه بالتعزية… بوصفه من ذوي الفقيد الكبير!
أو هو قد يعتذر بأن الاحتلال الأريتري لجزيرة حنيش الكبرى، في البحر الأحمر، قد دفعه إلى استباحة المحظورات تلبية للضرورات، وأنه قد قصد «الرأس» بدلاً من إضاعة الوقت بمفاوضة «التابع» في أسمرا، مما يضفي على «فعلته» بعدد وطنيد وقوميد جليلاً إذ وفّرت علينا السعي لتحرير جديد ومقاومة محتل جديد لأرض عربية أخرى!
ومَن يدري… فقد يطالب علي عبد ا” صالح بتوجيه الشكر، بدل اللوم، إليه! فطالما أن العرب غائبون (عن الوعي وعن التأثير) والإسرائيليين هم وحدهم الحاضرون، فلماذا إذن إضاعة الوقت الثمين والأرض الثمينة وانتظار النصر الذي لن يتحقق في معركة تحرير لن تقع أصلاً؟!
ü ü ü
لكل عربي «عذره» العربي، وهو غالبد ما يكون من طبيعة حربية، لصلحه المنفرد مع إسرائيل!
«العذر» اليمني قد يكون أريتريا (التي كانت في الثورة عربية ثم أخذتها السلطة إلى تل أبيب)،
أو هو قد يكون سعوديد، فالحرب مفتوحة حتى عندما تجمد الاشتباكات..
و«العذر» القطري سعودي أساسد وإن تلطى وراء النزاع مع البحرين على ثروة الغاز المهدورة في الخليج وجزره الصغيرة،
و«العذر» الهاشمي فلسطيني في جوهره، وإن غذته أحلام باستعادة عروش الأجداد في العراق وما حوله أو خلفه من بلاد،
أما «العذر» الفلسطيني فيكاد يشمل العرب عمومد، ولا سيما الذين ماتوا معهم ومن أجلهم!
ومن قبل كان «العذر» المصري في التخلي العربي العام،
ويمكن الاستطراد فيقال إن «العذر» المغربي جزائري، و«العذر» التونسي ليبي، و«العذر» الليبي مصري، وهكذا دواليك..
فكلما احترب عربيان سابق كل منهما الآخر إلى «السلام» مع «العدو القومي» للطرفين (أقله نظريد أو تاريخيد): إسرائيل!
كأن الاحتراب مع الذات، أي مع الماضي والحاضر، شرط للصلح مع «المستقبل» الذي لا يكون إلا بإسرائيل ومعها وعبرها.
أو كأن «العرب» هم مصدر الخطر، واحدهم على الآخر، ومجموعهم على مجموعهم، وإسرائيل هي الضمانة لكل منهم، وهي الأمان ومنبع الرخاء والازدهار الاقتصادي والتقدم العلمي والحريات السياسية والانفراج الاجتماعي!
ü ü ü
لماذا يصرّ «الزعماء» العرب على دمغ شعوبهم بالغباء، إضافة إلى إدانتهم بتهم شنيعة بينها نقص الوطنية وموات الشعور بالانتماء وعدم الاهتمام بمصير أرضهم وأبنائهم، كأعذار ومبرّرات لاندفاعهم هم الى أوهام «الصلح» وكأنها سفينة النجاة الأخيرة؟!
حتى الهزيمة لها آدابها،
وغالبد ما يكون التسليم بالأمر الواقع طريقد لاستنقاذ الغد، وذلك بترك القرار فيه للجيل التالي.
أما «الزعماء» العرب فيرهنون، أولاً، الغد، ويحكمون بالإعدام سلفد وغيابيد على الجيل الآتي، ثم يقدمون أنفسهم على أنهم هم «الغد»، وأنهم قد جدّدوا أنفسهم فتجدّدوا بالصلح وباتوا مؤهلين لقيادة المرحلة المقبلة.
ü ü ü
المفارقة المريعة أن المواطنين العرب السذج يتوهمون أن الصلح مع إسرائيل قد يقرّب ساعة خلاصهم من حكّامهم القساة والجهلة والفاسدين،

وبالمقابل فإن أولئك الحكّام أنفسهم يندفعون إلى الصلح مفترضين أنه سيحصّنهم ضد رعاياهم المتمردين والذين يحاولون الآن الاستقواء عليهم بالسماء بعدما عزّت عليهم مناصرة أهل الأرض!
وهكذا فإن الربح الإسرائيلي مفتوح بينما الخسارة العربية مفتوحة،
و«السلام» أسخى على إسرائيل من كل حروبها، وأقسى على العرب من مجموع هزائمهم!

Exit mobile version