هي جرثومة صغيرة، صغيرة، لا ترى بالعين المجردة، تخترق الجسد الانساني في ظل صمت عميق، فتفتك بخلايا الحياة فيه، وتحمله متوكئاً على اهله الى الطبيب ومنه الى المستشفى ليرقد ـ بين من سبقه من ضحايا الكورونا ـ في غرفة العناية الفائقة.
يستذكر فصول الحكايات العتيقة وفرسانها الذين يعتلون أحصنتهم المطهمة ويغيرون على القبائل العاصية، وعلى قوافل التجار العائدين بأغلى أصناف الحرير المغزول في الصين، أو الأقمشة المطرزة في دمشق، وعود الطرب الذي يحلل المقامات في حلب، والكمان الذي يستولد الآهات مع الموشحات الاندلسية.
أتذهب هذه الجرثومة التي لا تراها العين، والتي تخترق الجسد البشري فتستبطن بعض خلاياه، بالصحة وربما بالحياة التي وهبها الله لخلقه ووعدهم بالجنة ان هم اخلصوا في ايمانهم وصدقوا في صلاتهم وفي علاقاتهم مع الآخرين.
هذا الجبار، صياد الأسود، الفاتك بالأفاعي، مكتشف الغابات البكر، الذي يقطع الجبال المكللة بالثلج، ويسبح في البحار العميقة يصطاد فيها الاسماك المطرزة باللؤلؤ، ويركب الحوت الى البر الثاني..
هذا القاتل المتوحش، مبتدع القنبلة الذرية والصواريخ عابرة القارات، والذي تمشي فوق سطح القمر وكتب اسمه بشعاع الشمس، وأعطى النجوم أسماء صواريخه الحسنى.
هذا الجبار الذي يخيف ولا يخاف، يتهاوى ضعيفاً، ذليلاً متهالكاً، أمام جرثومة حقيرة تراه ولا يراها، تنخر جسده، بلحمه وعظمه، وتطرحه مريضاً في المستشفى، وهو الذي كان يحلم بتسلق السماء على صهوة الريح ونور الشمس، والذي استطالت اذرعه علمه حتى طاولت النجوم وعبرت القارات، كيف، ثم كيف وألف كيف يمكن لبعوضة أصغر من أن تُرى ان تبطحه في المشفى حتى تكاد تقطع عليه طريق العودة منه.
المهمة، الآن اذن: القضاء على جراثيم الكورونا، ووقف هجوم الموت وانقاذ حياة الانسان: أخطر مخلوقات الله.
ألم يعلّم الله الانسان ما لم يعلم… فليبرهن اذن على جدارته بالحياة.