طلال سلمان

اتحاد اوروبي ينظم حرب اهلية بين فلسطينيين

لم يبالغ محمود درويش حين صرخ وقد استفزته الإعلانات واللافتات والدعوات والحملات الرسمية لحض المواطنين العرب على التبرع لشعب فلسطين: لكأننا في العام 1948!
الحقيقة أمرّ من ذلك وأدهى، فالمشهد الفلسطيني اليوم، في 20 حزيران ,2006 أبأس بما لا يقاس منه في 15 أيار ,1948 الموعد الرسمي المعتمد للتأريخ ل النكبة .
… والبؤس يشمل الداخل و الخارج ، كما يشمل العرب حكومات ورعايا: يشمل السلطة التي استولدت ذات ليل في أوسلو، على حساب القضية وشعبها، ب الرئاسة فيها و الحكومة التي تكابر الدول فترفض الاعتراف بشرعيتها برغم اعترافها بسلامة ولادتها الديموقراطية التي لا تختلف في جوهرها عن استيلاد السيد الرئيس ..
الحقيقة أن العالم، والعرب منه في الطليعة (!!) قد عاد يتعامل مع الفلسطينيين كشعب من اللاجئين بالولادة، والمقدّر عليهم أن يعيشوا لاجئين حتى الانقراض، دون أن يكون لأبنائهم أو لأحفادهم أمل (فضلاً عن الحق!!) بأن يكونوا ذات يوم ولو بعيد مواطنين طبيعيين في كيان سياسي ما، يحملون هويته، ويعيشون على أرضه، أرضهم منذ آلاف السنين، ويتعاملون بعملته التي تحمل شعار سيادته ، ولو كانوا فقراء يُنكرهم أخوتهم الأغنياء، ويتبرأ من تطرفهم ذلك النفر من أهلهم الذين صالحوا العدو على حسابهم..
وليست مبالغة أن يُقال إن تعامل الدول ، بما فيها تلك التي لم تنكر بعد هويتها العربية التي تجلببها كالقدر، مع الفلسطينيين داخل أرضهم (المحتلة)، مهين بكل المعايير: مهين لهويتهم الوطنية، ومهين لكرامتهم الإنسانية، ومهين للعرب في كل أرض، ومهين للدول التي تدعي السهر على حقوق الإنسان ، أما حقوق الشعوب فلها الله..
إن هذه الدول تعترف بنصف السلطة الفلسطينية وتحجب اعترافها عن النصف الآخر: تقبل الرئيس وترفض التعامل مع الحكومة . وهي تتنصل من التزاماتها المعلنة والموثقة والحاملة تواقيع أكبر الكبار في الدنيا والمصدَّق عليها بختم الأمين العام للأمم المتحدة (!!)… وبدلاً من تنفيذ التزاماتها تتفضل فتقدم نتفاً مما كانت قررته ولكن كصدقات مرشحة لأن تتحول الى وقود لحرب أهلية فلسطينية! ثم إنها لا تقدمها مباشرة بل عبر البنك الدولي وعبر سلسلة من المعاملات البيروقراطية المنهكة والمعقدة والتي ستصل، إن وصلت، متأخرة، ومقسطة، وموزعة سلفاً على من اختارت وليس على صاحب الصلاحية أي الحكومة الملعونة!
فالمعونات العاجلة التي سيقدمها الاتحاد الأوروبي، عبر البنك الدولي، لن يصل منها فلس واحد إلى الحكومة لتنفق على الإدارة والأجهزة الأمنية والمرافق العامة، ومنها المستشفيات والمستوصفات والأدوية، بل سوف تنشأ أجهزة أجنبية تحت رقابة صارمة تتولى دفع الرواتب (المتأخرة حتى الآن ثلاثة شهور عن مواعيدها الطبيعية) من فوق رأس الحكومة ومن دون إذنها أو علمها.
لكأنما تحرّض الموظفين (الذين عيّنتهم حكومة أخرى) على حكومتهم الشرعية القائمة بالأمر الآن.
أي لكأنها تحرّض الفلسطينيين على الاشتباك القابل في ظل العوز للاشتعال كحرب أهلية.
أو أنها تريد تجريدهم من هويتهم مقابل ثلاثين من الفضة، إذ تفرض عليهم المفاضلة بين حكومتهم المنتخبة ديموقراطياً وبين قُوت عيالهم.
… وبعد نكبة ,1948 أخذ الإشفاق بالفلسطينيين الأمم المتحدة فأنشأت من أجلهم حصراً الوكالة الأممية لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتأمين فرص العمل لهم … ثم أسقط منها ما يدل على الحصرية في مهمتها، فكلفت باللاجئين والمشردين عموماً. مع ذلك، فقد استمرت هذه الوكالة تقدم قدراً من المساعدات الغذائية وأنشأت المدارس فوفرت التعليم للاجئين بمستوى مقبول، وتدخلت في حالات كثيرة لتأمين فرص العمل لأعداد منهم… (هذا من زمان، أما اليوم فالوكالة مفلسة كما الذين جاءت لنجدتهم).
إن القرار الجديد يكرّس وضعية الفلسطيني الباقي على أرضه كلاجئ ليتسوّل المساعدة من الاتحاد الأوروبي عبر البنك الدولي بشرط أن يخرج على حكومته ويجهر بولائه ل السيد الرئيس وحده بلا شريك.. إلا إسرائيل!
(الشروط المذلة منشورة إلى جانب هذه السطور).
في الماضي جرى تقسيم الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك أرضهم إلى لاجئين وهم من خرج تحت النار الإسرائيلية في العام ,1948 و نازحين وهم من أجبر على النزوح بعد نكسة ,1967 لكأنما يُراد تصفية قضية فلسطين بتصنيف البقية الباقية من أهلها على أرضهم كشحاذين!
هذا بينما الثروات العربية تتجاوز أي تقدير! فآبار النفط التي استنبتت من قلب العدم دولاً يديرها الأجانب من الوافدين، تكاد تغرق في الذهب، إذ هي لا تعرف كيف تنفقه وأين.
في العام 1948 كانت النكبة في فلسطين.
في العام 2006 صارت النكبة بامتداد الأرض العربية ودولها المهابة!

Exit mobile version