من حق الرئيس فؤاد السنيورة، وربما من واجبه، أن يخاف من هذه المبالغة الأميركية الفجة في اعلان دعمه ومساندته وتأييده وبالتالي تحريضه على خصومها ودفعه إلى التصادم معهم بذريعة انهم أعداؤه الألداء وأعداء استمراره في موقعه الفخم.
بل إن من حق فؤاد السنيورة، ان يستذكر الحكمة الخالدة القائلة: اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فإني كفيل بهم… مع الاستدراك بأن لا أعداء، في حدود ما يعلم الناس، لفؤاد السنيورة، سواء كشخص أو كرئيس للحكومة.
و الأصدقاء المعنيون هنا يشملون إلى رجال الإدارة الأميركية ونسائها بعض الدوليين من أمثال تيري رود لارسن الذي يكاد يتفوق على الإسرائيليين في كراهيته للبنان الوطن العربي المستقل الحر وذي السيادة بغير أن يتنكر لأهله ويخرج عليهم شاهراً سيفه.
ذلك ان هذه الإدارة الأميركية تؤكد على مدار الساعة كراهيتها للعرب، وسعيها إلى تدمير مستقبلهم فوق أرضهم، من العراق الذي يغرقه احتلالها بدمائه، إلى فلسطين التي يكاد الاحتلال الإسرائيلي المعزز بالتأييد الأميركي المفتوح يحول شعبها إلى مواكب جنائزية متوالية وسط العوز والجوع والبطالة وإغلاق الجامعات والمعاهد والمدارس والمستشفيات.. وأبواب الأمل في غد، وصولاً إلى لبنان..
والحساب الأميركي للبنان عسير: فهو لم يتجرأ فيقاتل إسرائيل فحسب، بل هو قاتلها وأفشل جيشها الجبار وتركها تتخبط في قلب أزمة وجودية تتجاوز حكومتها وعسكرها إلى اهتزاز ثقتها بمستقبلها في هذه المنطقة التي زرعت فيها بالقوة.
وبرغم ان فؤاد السنيورة يتحاشى، ربما لأسباب تتعلق بموقعه وتحفظه بل بخله اللغوي استخدام الألفاظ ذات الدلالات القاطعة، فإنه لا يستطيع الانكار ان أبرز الدلائل على انتصار لبنان في الحرب الإسرائيلية إنما يتجلى في هذه الهوبرة الأميركية، وهذا اللجوء غير المألوف من البيت الأبيض تحديداً إلى انذارات وتهديدات لم يكن يحتاجها لتأكيد النفوذ أو الهيبة أو القدرة في مواجهة معسكر هائل القدرات كالاتحاد السوفياتي في أيام عزه!
ان البيت الأبيض لا يقصد حماية فؤاد السنيورة وحكومته المشلولة، فعلياً، وإنما يقصد حماية الفشل الإسرائيلي الذي سيتأكد مرة أخرى عبر إعادة صياغة الوضع السياسي في لبنان بما يعكس حجم الذين افشلوا الحرب الإسرائيلية (بقرارها الأميركي).
ان المكابرة في مثل هذا الأمر لا تفيد، فمن لم تهزمه إسرائيل الجبارة، معززة بالتأييد الأميركي المفتوح، سيتعذر شطبه أو تحجيمه في الساحة السياسية الداخلية.
ثم إن محاولة طمس هذه الحقيقة بالتصريحات العنترية أو بالتهويل بشارع مقابل شارع، تظل بائسة إذا انتبه الناس إلى انها تخدم في تغطية الفشل الإسرائيلي أكثر مما تفيد في تدعيم الحكومة التي لا ضرورة لتقديم الأدلة على انها، في شكلها الحاضر، لم تعد قادرة أو مؤهلة لأداء مهماتها الطبيعية.
إن اللجوء إلى توسيع الحكومة وتعزيزها بجعلها شاملة التمثيل للقوى الفاعلة سياسياً، هو انقاذ لها ولرئيسها على وجه التحديد.
أما التهديدات الأميركية، لا سيما بلهجتها النافرة والمنفرة، فلا تفعل إلا تأكيد ضعف هذه الحكومة وتهالكها بحيث تحتاج استنفاراً في البيت الأبيض ذاته!
… وأما الصديق الصدوق لهذه الحكومة تيري رود لارسن الذي يحمي أصدقاءه على طريقة الدب في حماية صاحبه، فقد قدم لخصوم الحكومة مدداً جديداً لأسباب القوة، وليت ان الرئيس السنيورة تولى بنفسه رد هذا الجميل على صاحبه، إذاً لكان اكتسب مزيداً من الصدقية والشهادة له بحسن اختيار أصدقائه، لا سيما ممن هم خارج حدودنا وهمومنا الوطنية.