إنه المونديال…
ولكن إسرائيل تخوض مباراة من طبيعة مختلفة هدفها انتزاع الاعتراف بها على المستوى الكوني بأنها هي القضاء وهي القدر : تقرّر ما تراه لشعب فلسطين، من يعيش من رجاله ونسائه وأطفاله ومن يلقى وجه ربه قبل أن يولد، أو بعد الولادة بقليل.
وها هي تواجه العالم كله، وبلا مواربة، بأنها صاحبة القرار في شؤون حياة الفلسطينيين في غزة، بشكل أساسي، وفي سائر أنحائها الممزّقة بجدار الفصل العنصري ومستعمرات المستقدَمين ليكونوا البدلاء من أصحاب الأرض.
وهي توفد رسلها إلى الدول تطالبها بأن تعترف لها بهذا الحق الحصري في أن تقرّر مصير شعب بكامله، مقابل جنديّها الذي أُسر في الميدان، فلا تجد من يذكّرها بأنها تسترهن شعباً يزيد تعداده عن ثلاثة ملايين وتغصب منه أرضه وحقه في الحياة فوقها وكذلك القدرة على أن يبني لنفسه المستقبل الذي يستحقه بجهده وعرقه.
مَن غير القضاء والقدر يقدر ولا يناقشه أحد في حقه بأن يواجه الدول بمنطق الحرية للجندي الأسير أو الفناء لمليون وثلاثمئة ألف فلسطيني في غزة ؟!
مَن غير مَن يعطي نفسه موقع القضاء والقدر يستطيع أن يبرّر لعواصم القرار أنه ومن قبل حكاية الجندي الأسير يمنع عن شعب بكامله الدواء والغذاء، ثم ها هو قد قتل الكهرباء أيضاً وقطع بالتالي مياه الشرب، فضلاً عن أنه اغتال الأمان، (وأمس فقط أضاف إلى إنجازاته تدمير الجامعة الإسلامية في غزة… فالكتاب سلاح إذا ما كان في يد الفلسطيني، ويفضّل أن يسحب منه حتى لا يؤذيه)!
مَن غير الإسرائيلي يستطيع أن يواجه العالم بأنه سيشن حرب إبادة على شعب بكامله، فلا تجرؤ كبريات الدول على ردعه، أو إجباره على التراجع عن قراره، بل تهرول للضغط على الطرف الفلسطيني المحاصَر والممنوع عنه النور والهواء والمياه، والمحروم من رواتبه البسيطة التي كانت بالكاد تكفي لسد الرمق وتأمين المأوى وإدامة وجوده على قيد الحياة؟
… وإذا كانت الدول العربية قد سلّمت له ولأسباب معروفة ومفهومة بأنه القضاء والقدر ، لأن أنظمتها المستقوية على شعوبها ضعيفة أمامه إلى حد الارتهان لإرادته، فأين الدول الكبرى التي تتباهى بأنها ضامنة حقوق الإنسان، وبأنها حامية الديموقراطية، وبأنها صاحبة دور في صنع حياة أفضل للجنس البشري؟!
لقد اكتفى بعض من تحرّك من الحكّام العرب، ومن موقع الوسيط بين القتيل وقاتله بأن أعلن فشل وساطته، ملقياً اللوم على المقتول، ثم تركه يواجه القضاء والقدر من قلب عتمة حصار الجوع والعطش والظلام والصواريخ الموجهة والقذائف القاتلة النور.
من نافلة القول أن نستذكر الأمم المتحدة وأمينها العام ومجلس الأمن، أو الإدارة الأميركية التي أعطته التفويض بأن يكون وكيلها في المنطقة بينما هي تقوم بدور القضاء والقدر على مستوى قارتين كاملتين ومعهما أميركا اللاتينية..
إنه المونديال…
لعل الدول المشغولة به الآن ترجئ التدخل حتى يُحسم أمر كأس العالم، فيتسع وقتها لمسألة تفصيلية مثل مصير المليون والثلاثمئة ألف فلسطيني المحاصرين بالقضاء والقدر في غزة.
أما الأنظمة العربية فيأخذها إيمانها العميق إلى التسليم بإرادة هذا الجبار الذي استطاع أن ينتزع لنفسه صلاحيات القضاء والقدر بغير أن يلقى أي عقاب!
إنه المونديال…
قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق… ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير.